الجمعة، 7 يناير 2011

كن مباركاً

كن مُبَاركاً أينما كنتَ ،، إن قيامك أيها الداعية ، بِدَوْرٍ ولو يسيرٍ ، ومساهمتك بشيءٍ ولوقليلٍ ، كالدعوة إلى الله ، ونشر الخير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، دليلٌ على صدق إيمانك ، والجدية في التزامك ، ومظهرٌ من مظاهر استقامتك ، وبرهـانٌ على احتسابك وثباتك ، وصدق ولائك لربك ، واتباعك للنبي صلى الله عليه وسلم ، وانتمائك لدينك ، وعلامة فوزك وفلاحك ، وإصلاحك وصلاحك ، وتفوقك ونجاحك ، قال تعالى ( ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) " سورة آل عمران آية 104 " .
حَوّل عواطفك الجياشة لأعمالٍ فاضلةٍ مثمرةٍ ، ولا تكن كَلاً على مولاك ، أينما يوجهك لا تأتِ بخيرٍ ،، بَرْهِنْ على صحة إيمانك ، بصلاح أعمالك ، واشكرِ اللهَ على نعمة الهداية والاستقامة ، ولما تفضل به عليك من العلم والإيمان ،، وكن مباركاً أينما كنتََ ، فأنت أيها المسلم الملتزم بشرع الله تعالى ، ثروةٌ هائلةٌ ، ولكنها مُهْدَرَةٌ ، وعُملةٌ نادرةٌ ، ولكنها مهملة ، وكنزٌ عظيمٌ ، لكنه مدفونٌ ، وجهازٌ عجيبٌ ، لكنه مُعطلٌ ، مواهبُ مقتولةٌ ، وطاقاتٌ مكبوتةٌ ،، فهل عَرَفْتَ قيمةَ نفسك ، واستفدتَ من قدراتك ؟ وصدق من قال :
دواؤك فيك وما تـشـعر                       وداؤك منـك ومـا تبصر
وتحسب أنك جسم صغير                      وفيك انطوى العالم الأكبر
كن مباركاً أينما كنتَ ،، فمن للبشرية ينتشلها من المستنقات الآسنة ، والجاهلية المعاصرة ؟ سوى أهل الإسلام ، وحَمَلَةُ الرسالة ، ودُعاةُ الحق ، فنحن وحدنا المسؤولون أمام الله عن هذا الدين ، فلن يُرْسِلَ الله إلينا مَلِكاً من السماء ، ولن يُرْسِلَ إلينا رسولاً في الأرض ، فتخلينا عن هذه المسؤولية ، وفرطنا في تلك الأمانة ، وعدم تأديتنا لما يجب علينا من دورٍ ، تجاه ديننا ، فلننتظر العقوبة العاجلة ، فقد تكون العقوبة " الحرمان " والعياذ بالله ، من نعمة الهداية ، لأننا لم نرعاها حق رعايتها ، ولم نشكر الله عليها ، فكم سمعنا بمستقيمين انحرفوا ، وصالحين فسدوا ، ومهتدين ضلوا وانتكسوا ؟ ذلك لأنهم لم يأخذوا الكتاب بقوةٍ ، فتولوا وتاهوا عن طريق الهداية ، بسبب ذنوبهم ، قال تعالى ( فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ) " سورة المائدة آية 49 " ، بل أشد من ذلك ، نخشى أن يحل بالمجتمعات البلاء العام ، حين تنتشر المنكرات في المجتمع المسلم ، فيألفها الناس ، وتصبح بينهم معروفاً ، فينتشر الشر ويعم ، ويقل الخير ويكاد يندثر ، فالعلاقة بين الخير والشر ، تناسبٌ عكسيٌ ،، فضعف المؤمنين عن إظهار الدين والسنة ، يقابله مجاهرة الفساق ، بالمعاصي والمنكرات ، والله يقول محذراً المتخاذلين عن نصرة الدين ( وإن يتولوا يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة ) " سورة التوبة آية 74 " ، ويقول جل شأنه ( واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) " سورة الأنفال آية 25 " .
كن مباركاً أينماكنت ،، فإنْ وجدتم يامعشر الدعاة في أنفسكم ، عجزاً ، وخوراً ، وضعفاً ، عن القيام بالمسؤولية ، وأنتم أهلها ،، فأعلموا أن الله سيأتي بأجيالٍ سيحملونها ، وأفذاذاً يرفعونها ، قال تعالى ( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لايكونوا أمثالكم ) " سورة محمد آية 38 " ،، ويقول تعالى مستغنياً ( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) " سورة الحديد آية 24 " ، فلا يكفي أن نتشدق بالكلمات الرنانة ، التي ليس منها نفعٌ ، وننخدع  بالمظاهر الجوفاء،  التي ليس من ورائها طائلٌ ، بل نريد شباباً ، مؤمناً بالله يمضي ، وللإسلام يندفع اندفاعاً ،، أيها الداعية : أفلا كنتَ مباركاً حيث ماكنت ؟ فنبي الله يوسف الصديق عليه السلام ، الذي لم يمنعه بُعْدُهُ عن أهله ، وحبسه في السجن ، وغربته ووحـدته ، من حـمـل هَـمّ الإسلام ، قال تعالى على لسان نبيه يوسف عليه السلام ( ياصاحبي السجن أأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الـواحـدُ القهارُ ) " سورة يوسف آية 39 " ، أو كنتَ مثل فتية أهـل الكهف ، الذين لـم يكتفوا بالإيـمـان ، بـل أنـكـروا فعل قومهم ،
قال تعالى على لسانهم ( هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه ألهةً لولا يـأتـون عليهم بسلطان بيّن فمن أظـلـم ممن افتـرى على الله كذباً ) " سورة الكهف آية 15 " ، أو كأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنهم الذين كانوا أسمى النماذج ، وأعلى المُثل في ذلك ، فعندما أراد الأنصار مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية ، وكانوا شباباً ، أخذ أصغرهم بيده ، وهو أسعد بن زرارة، فقال : رويداً ياأهل يثرب ، إنا لم نضرب له أكباد الإبل ، إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وإن إخراجه اليوم ، مفارقةٌ للعرب كافةً ، وقتل خياركم ، وأن نقضكم السيوف ، فإما أنتم تصبرون على ذلك فجذوه ، وأجركم على الله ، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفةًً فذروه ، فهو أعذر لكم عند الله ، فقالوا : أمط عنا يدك ، فوالله مانذر هذه البيعة ، ولا نستقيلها ، فبايعوه رجلاً تِلْوَ الآخر ، فكانوا حقاً كما قال الله عنهم ( رجالٌ صدقوا ماعاهدوا الله عليه ) " سورة الأحزاب آية 23 " ، وصدق من قال :

فقد أقاموا عَمودَ الدينِ من بعد صَدْعِهِ          وأَعْلُـوا لِـواءَ الحق فـوقَ الخلائقِ

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، بعد أن أسلم مباشرة قال : يا رسول الله : ألسنا على الحق ، إن مِتنا أو حيينا ؟ قال : بلى ، قال : ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لنخرجنّ ، فخرجنا ،، وهذا أبو ذرٍ الغفاري رضي الله عنه ، الضعيف الغريب ، عندما أسلم ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ارجـع لقومك ، قـال : والذي نفسي بيده ، لأصرخنّ بها " أي كلمة التوحيد " بين ظهرانيهم، لذا فقد ضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء بالنفس ، والنفيس ، والغالي في سبيل الله ، ونصرة لدينه ورسوله ، حتى يلاقي أحدهم الموت فيقول :

ولستُ أُبـالـي حيـن ُأقْتَلُ مُسلماً                        على أي جَنبٍ كان في الله مصرعي

إن قيمة كل واحدٍ منا ، هو مايحتسبه ، ويفعله في خدمة دينه ، وإذا استطعتَ أن تفتح باباً من أبواب الخير ، لتعمل به ، وترجو به ثواب الله ، فاعمل دون ترددٍ أو تأخيرٍ ، فأوجه الخير ، وطرق البر كثيرةٌ ، ، والفائز من اغتنمها ، قبل فوات الأوان ،، فكن مباركاً أينماكنت ، ولا تكن كمن قيل فيه :

وأنت امرؤٌ فينا و خُلِقْتَ لغيرنا                            حياتكَ لا نفعٌ و موتك فـاجـعُ

وأخيراً وليس آخراً ،،، هذا حال الأكثرين وللأسف ، من أبـنـاء الأمـة ،، أرقـامٌ بلا رصيدٍ ، وأشخاصٌ بلا نفعٍ ، وأشباحٌ بلا حـركـةٍ ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( الناس كإبل مائةٍ ، لا تكاد تجد فيها راحلةً ) " رواه البخاري " ، والناس من هو ألفٌ كواحد ،  وواحدٌ كالألف ، فكن أنت ذلك الواحد ، وتلك الراحلة ،، وكن مباركاً أينماكنتَ ، فقد تحول البعض إلى أبواق يردد الشكاوي ، ويكثر الأنين ، ويكتفى بندب حال المسلمين ، يتسخط من ظلم الظالمين ، دون المساهمة في أعـمـالٍ إيجابيةٍ ، أو مشاريع عمليةٍ ، فـمـا تسمع لـه إلا جعجعةً ، ولا ترى طحينا ، وصدق عليهم ماجاء في الأثر " يأتي في آخر الزمان ، أقوامٌ ، قصدهم التلاوم " ، أو كما قالت العرب " أوسعتهم شتماً ، وساروا بالإبل "، فعجباً لجلد الفاجر ، وعجز الثقة ،، فهؤلاء الضالون يخططون ليلاً ونهاراً ، لقضاء شهواتهم ، وتحقيق مآربهم ، وتنفيذ رغباتهم ، ويذوقون في سبيل ذلك ألماً ومشاقاً ، وهم على الباطل ، ليس لهم هدفٌ شريفٌ ، ولا غايةٌ كريمةٌ ،، فلماذا ياأخي لاتركب الصعاب ، وتتجاوز العقبات ، لنيل أشرف هدفٍ ، وأكرم غايةٍ ؟ يقول الله  تعالى ( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون لله مالا يرجون وكان الله عليماً حكيماً ) " سورة االنساء آية 104 "، فانفض عنك غبار الكسل، وارفع رأسك ، وأزل عن وجهك غشاء الوهم ، وكن مباركاً أينماكنت ، ولا تردد قول الجاهلين يوم حادثة الفيل " أنا رب الإبل ، وللبيت ربٌ يحميه " ، بل ردد قول الشافع المشفّع صلى الله عليه وسلم يوم المحشر ( أنا لها ، أنا لها ) ، ونافس على الفردوس ، بِجِدٍ ومثابرةٍ ، وتضحيةٍ ومغامرةٍ، وسابقْ لرضا الله، بِهِمةٍ عاليةٍ، ونفسٍ أَبِيةٍ، وطموحٍ وإصرارٍ ، وتوكلٍ واحتسابٍ ،، فلا تغريك الملهيات ، ولا تشغلك الترهات ، ولا تفتنك الملذات ،، بل كن متبعاً لسيد الكائنات ، وراغباً في أعلى الدرجات من الجنات ، ولا تعيقك أي عقبةٍ مهما عَظُمَتْ ، ولا تمنعك أي معضلةٍ مهما صَعُبَتْ ، فما هي إلا أوهامٌ وشبهاتٌ ، فلا تبالي بها ، ولا يصدنك الشيطان عن معالي الأمور بسببها ،، وأخيراً ! اعـلـم بـأن العمل للدين ، لا ينحصر على فئةٍ من الناس ، أو طائفةٍ من الأمة ، بل كل من ينتسب للإسلام ، عليه جزءٌ من المسئولية ، حسب قدراته وإمكانياته ، ولا تحتقرن مـن المعروف شيئاً ، ولو كان رأياً ، أو فكرةً ، أو اقتراحاً ، أو أي عملٍ مهما كان  صغيراً ، فإن لم تكن ذَهَباً ، فكن فضةً ، وإن لم تكن طريقاً ، فكن مَمَراً ، وإن لم تكن كاتباً ، فكن قارئاً ، وإن لم تكن بندقيةً ، فكن رصاصةً ، وإن لم تَرْمِ ، فاجمع الحصى لمن يرمي به ، أو كن حَصاةً تُرمى ! ، واستعن بالله ، ولاتعجز ، واعلم بأنّ العاقبة للمتقين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق