الخميس، 27 يناير 2011

كن قوياً

قال الطالب لأستاذه المربي: أخبرني عن أعظم قوة عرفها الإنسان منذ فجر التاريخ، لا شك أنك تعتقد مثلي أنها قوة الصاروخ والقنبلة الذرية ؟ قال الأستاذ المعلم : مهلاً أيها الفتى الطالب ، لا تسألني وتعجل بالجواب قبلي ،، قال الطالب : معذرة يا أستاذي ، إني أريد أن أسمع منك ،، قال الأستاذ : دعني أسألك سؤالاً آخر : أيهما أعظم قوة : القنبلة والصاروخ أم الذي صنع القنبلة وأطلق الصاروخ ؟ قال الفتى : لا شك أن صانع القنبلة ومطلق الصاروخ أقوى منهما ،، قال الأستاذ : إذاً فأنت معي كما أقول ، أن قوة الإنسان أعظم من كل قوة مادية في الأرض ،، قال الطالب : نعم ، فالإنسان هو الذي يسخر المادة لمنفعته ، ويوجهها لما يريد، قال الأستاذ المربي : فإذا وجدت قوة توجه الإنسان وتدفعه إلى الأمام ، وتحفزه إلى العمل الدؤوب ، وتقذف به كالقنبلة ، أو أقوى ، وتطلقه كالصاروخ، أو أشد ؟ قال الطالب في عجلة : إنها لا شك تكون أعظم قوة عرفها الإنسان في هذه الأرض، فما هي هذه القوة؟ وما حقيقتها؟ لقد شوقتني إليها بحديثك عنها ،، قال الأستاذ المربي : إنها يا بني قوة الإيمان ، قال الفتى الطالب : الإيمان بأي شيء ؟ فإن بعض الناس يجعلون الإيمان بأي مبدأ هو الإيمان ،، قال الأستاذ : لاأنكر أن مطلق الإيمان بأي معتقد كـان يعطي صاحبه قوة وصلابة ، كما يظهر ذلك
في الصراع بين الأفراد والجماعات ،، فالفرد الذي يؤمن بعقيدة ما ، ينتصر على الفارغ الـذي لاعقيدة له ،، والجماعة التي ترتكز حياتها على إيمان ما ، ولو لم تكن له أسسٌ مفهومةٌ ، تنتصر في النهاية على الجماعة الخاوية من الاعتقاد ، ولكن الإيمان الذي أعنيه هنا ، هو الإيمان بالله واهب الحياة ، وخالق الكون والإنسان ، والإيمان بالجزاء ،، والخلود في حياة باقية ،، توفى فيها كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون ، والإيمان بعالم فسيح غير منظورٍ ، مليءٍ بجند الله لا يحصى لهم عدد ، إنهم الملائكة المقربون ، والإيمان بالوحي الإلهي الذي هو الصلة التي تربط السماء بالأرض ، ومظهر هداية الخالق للخلق ، والإيمان بالنماذج الإنسانية العليا ، أولئك هم النبيون الذي أنزل الله عليهم وحيه ، ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ،، فالإيمان بأن الكون لا يسير جزافاً ، ولا تمضي حوادثه بغير هدى ولا تقدير ، بل كل شيء فيه بقدر ، وكل صغير وكبير مستطَر ، والإيمان بكرامة الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض واستعمره فيها ، وابتلاه بالتكليف في دار الدنيا ، ليصهره ويعده للخلود في الدار الآخرة ،، ذلك يابني هو الإيمان الذي دعا إليه النبيون والمرسلون ، وجاهد في سبيله الصديقون والشهداء والصالحون ، وهو المعنى الفذ الذي نريده من كلمة " الإيمان " ، إنه الإيمان كما جاء به الإسلام ،، واسترسل الأستاذ يتحدث ، والطالب الفتى يصغي إليه في شوقٍ ولهفةٍ ،، هذا الإيمان يا بني، قوة دافعة موجهةٌ ،، قوة تسند الضعيف لكي لايسقط ، وتمسك القوي حتى لايجمح ، وتعصم الغالب حتى لا يطغى ، وتمنع المغلوب لكي لاييأس وينهار ،، قال الطالب الفتى : لكنك يا أستاذي حدثتنا من قبل أن في الإنسان قوة أخرى عاتية شديدة العتو والجبروت ، تلك هي قوة الغرائز ، كغريزة حب البقاء ، وغريزة الشهوة الجنسية ، وغريزة الغضب والمقاتلة ،، قال الأستاذ الشيخ : أجل يا بني ، أنا لم أنسَ حديثي هذا ، ولا أنكر أن للغرائز البشرية سطوتها وقوتها ، ولكنها بجوار الإيمان تفقد سيطرتها ، وتنحل عقدتها ، وتنحني مِطواعةً لقوة الإيمان ،، فالإيمان هو السيد الآمر المطاع ، والغرائز هي الخادمة المنقادة له ، المسخرة بأمره ،، أتريد أن أضرب لك مثلاً من التاريخ : قال الطالب : نعم ، فقد حفظنا عنك " بالمثال يتضح المقال " ، قال الأستاذ : هل أتاك حديث سيدنا يوسف الصديق ، لابد أنك سمعت قصته في سورة يوسف في القرآن الكريم . إنها قصة شاب مؤمن أخضع غريزته لإيمانه ، فخلّد الله ذكره ، وسجل قصته لتكون هُدىً ونبراساً للآخـريـن ،، يوسف شاب في ريعان الشباب ومقتبل العمر ، أوتيَ من الشباب والجمال حَظاً كبيراً ، وامتلأ فتوة ونضرةً ونشاطاً ، وقُدر القَدَرُ له أن يُبْتَلَى بالخدمة في بيت امرأة عزيز مصر ، ولكن شبابه وجماله أغـرى به المرأة التي هو في بيتها ، فراودته عن نفسه ، وغلقت
الأبواب ، وقالت : هَيتَ لك ! فكان الموقف دقيقاً ولا ريب ، فالفتنة التي عرضت ليوسف لم تكن من الفتن التي تعرض للـمـرء ساعة في حياته ثم تـزول ، إنما هي فتنة تصبحه وتمسيه ، لم تكن فتنة امرأة من بنات الليل وبائعات الهوى ، بل كانت فتنة امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ ، وحليةٍ ومقدرةٍ ، وهي سيدة البيت ، وامرأة العزيز ، وهو : غلامٌ شُرِي بثمن بخس دراهم معدودة ، لا يعرف له أهلٌ ولا بيتٌ ، مجرد خادمٍ في بيتها ، من شأنه أن يؤمر فيأتمر ،، فماذا صنع الفتى يوسف أمام هذا الإغراء ، وأمام هذه الفتنة ؟ قال الفتى الطالب لأستاذه : هذا والله يا أستاذ : موقفٌ صعبٌ ، وامتحان رهيبٌ لإيمان يوسف ،، قال الأستاذ : أجل كان الامتحان عسيراً ، ولكنه انتهى بنجاح يوسف ، كان صوت الغريزة القوي يدعوه أن يهم بها ، دعا المرأة أن تهم به ، ولكن صوت الإيمان في ضميره كان أقوى ، لقد زجرها بهذه الكلمات الواعية حين قال الله تعالى على لسان نبيه ( قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ) " سورة يوسف آية 23 " ، ولقد حاولت المرأة مرة أخرى أن تمكر به وتجبره على قبول رغبتها الآثمة أمام نسوتها ، قال تعالى على لسان امرأة العزيز ( ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين ) " سورة يوسف آية 32 " ، وكان يوسف بين محنتين . أن يمتحن في دينه فيقع في الفاحشة والإثـم المبين ، أو يمتحن في دنياه وحريته ، فيسجن ويكون من الصاغرين،، قال الطالب في لهفةٍ : فماذا اختار يوسف؟! قال الأستاذ : لقد هداه منطق الإيمان أن يؤثر سلامة دينه على سلامة دنياه ، فدعا ربه ، كما في قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرفْ عني كيدهن أَصْبُ إليهن وأكن من الجاهلين ) " سورة يوسف آية 33 " ،، قال الطالب لأستاذه : وماذا حدث ليوسف بعد ذلك ؟ قال الأستاذ : استجاب الله دعاء نبيه يوسف ، فصرف عنه كيدهن ، وسلم له دينه الذي حرص عليه ، أما دنياه فلم تسلم ، فقد سجنوه ظلماً ، ولبث في السجن بضع سنين ، بيد أن ظلمة السجن لم تُطفئ النور الذي في قلبه ، ولم تُنسهِ أنه مؤمنٌ صاحب رسالةٍ ، فظل في السجن يدعو إلى توحيد الله ، وينفر رفقاءَهُ في السجن من الوثنية المخرفة ، وينتهز الفرصة لذلك كلما سنحت ، كما قال للفتييْنِ اللذين سألاه في تأويل حُلُمٍ أو تفسير رؤيا ، فأنبأهما من بعض ماعلمه الله من الغيب ، ثم قال تعالى على لسان يوسف للفتيين بعدما فسر لهما تأويلهما ( ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قومٍ لايؤمنون بالله وهم بالآخـرة هم كافرون * واتبعت ملة آبـائـي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ماكان لنا أن نشرك بالله من شيءٍ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لايشكرون * ياصاحبي السجن أأربابٌ متفرقون خـيـرٌ أم اللهُ الواحد القهار * ماتعبدون من دونه إلا أسماءً
سميتموهآ أنتم وآباؤكم ماأنزل الله بها من سلطان إنِ الحكمُ إلا للهِ أمر ألا تعبدوا إلا إيـاه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) " سورة يوسف آية 37 - 38 – 39 – 40 " ،، قال الطالب : وماذا كانت عاقبة هذا السجين المؤمن؟ قال الأستاذ : إن العاقبة يابني دائماً للمؤمنين المتقين ، هذه سنة الله ، ولن تجد لسنة الله تبديلاً ، ولن تجد لسنةِ اللهِ تحويلاً ،، لقد احتاج القوم إليه احتياج الجاهل للعالم ، والمريض للطبيب ، والملاح التائه للنجم الهادي ، فلم يجدوا بُداً من أن يذهبوا إليه صاغرين ، ويطلقوا سراحه ، وهو يأبى أن يخرج من السجن إلا بعد أن تظهر براءة صفحته أولاً ،، وخرج من السجن نقي الذيل ، مرفوع الرأس ، ناصع الجبين ،، قال تعالى على لسان ملك مصر ( وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مَكينٌ أمينٌ * قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم * وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ) " سورة يوسف آية 54 – 55 – 56 " ،، وأصبح سجين مصر بالأمس عزيزها اليوم ، والمتصرف في مالياتها وتموينها ، إبان أزمة ومجاعة اجتاحت مصر وما جاورها من الأقطار ، وكان هذا المنصب امتحاناً آخـر لإيمان يوسف ،، فالإنسان يمتحن بالنعمة كما يمتحن بالمصيبة ،، قال الطالب لأستاذه : وكيف يمتحن بالنعمة والامتحان إنما هو ابتلاء ؟ قال الأستاذ : أما سمعت قول الله عز وجل ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ) " سورة الأنبياء آية 35 " ،، إن بعض الناس قد يملك نفسه عند الشدة ، فيصبر ولا يجزع، فإذا امتحن بالنعمة بَطَرَ واستكبرَ ورَكِبَهُ الغرورُ ، ولكن يوسف الذي صار عزيزاً ، لم يتغير عن يوسف الذي كان سجيناً ، إنه مَلَكَ الدنيا ولكنها لم تملكه ، وسيطر على خزائن مصر ، ولكنها لم تسيطر على قلبه ،، لقد كان إذا وضع أمامه الطعام أكل منه لقيمات تقيم الأود ولا يشبع ، فلما سئل عن ذلك قال : أخاف إذا شبعت أن أنسى جوع الفقراء ! ، ومرة أخرى ظهر إيمان يوسف الصديق حين تمكن من إخوته لأبيه ، أولئك الذين أرادوا أن يقتلوه ليخلوا لهم وجه أبيهم ، ثم ألقوه في غيابة الجب ، ثم باعوه بثمن بخس دراهم معدودةٍ ، وعرضوه للذل والعبودية ،، لقد جاءوا مصر من فلسطين يطلبون المدد والزاد ، وقدر يوسف على الانتقام منهم ، ولكنه عفا وغفر ، قال تعالى على لسان نبيه يوسف لما خاطب إخوته بعدما عفا عنهم ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحـم الراحمين ) " سورة يوسف آية 92 "  ،، وبعد أن تمهدت ليوسف الوزارة والرئاسة ، وقرت عينه بوصول أبويه وإخوته ، وتطلعت نفسه التواقة إلى ماهو أعز من الوزارة ، وأبقى من المُلْكِ ،، إلى رضوان الله تعالى ، والسعادة بلقائه في دار الخلود ، فتوجه إلى الله بدعائه المأثور الـذي ذكـره الله تعالى في كتابه العزيز بقوله تعالى على لـسـان نبيه ( رب قـد آتيتني من الملك
وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ) " سورة يوسف آية 101 " ،، ذلك يابني نموذجاً من نماذج الإيمان القوي ، فيه أسوة للشباب ، وعبرة لأولي الألباب ، وحجةٌ على الجاحدين ، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .
وأخيراً ،،، كن قويا مواجهاً ، ولا تكن ضعيفاً هارباً ، مهما قابلت من مشاكل وصعوبات فى حياتك ، وعليك ان تكون مواجهاً لأقدارك بشجاعةٍ وقوةٍ دون هرب منها ،، واعلم بأن أسهل الحلول هو الهروب ، ولكن هل يمكن أن يظل الإنسان فى حالة هروبٍ دائمٍ ؟ وماهي نهاية هذا الهروب ؟ واجه نفسك باخطائك ومشاكلك ، وحاول ان تَجِدَ لها حلولاً ، وإن فشلتَ وحـدكَ بأن تحل مشاكلك ، واستعنْ باصدقائك المقربين اليك ، فما خـاب من استشار ، ولا تكن ضعيفاً ، فلا مكان للضعيف فى هذه الدنيا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق