السبت، 8 يناير 2011

كن عطوفاً

متى نستطيع أن نقول بالفعل لشخص آخـر " أنا أفهمك " أو " أشعر بما تحس به " أو " أفهم ما يدور بداخلك " ،، فعندما نكون حساسين . نجد أن التعاطف هو أكثر من مجرد المشاركة الوجدانية ، فهو القدرة على الإصغاء والتبصر ، بهدف التعرف على أفكار ومشاعر الآخر . وتعد هذه القدرة مولودةً ، وليست مكتسبةً ، ومع ذلك فإننا قليلاً مانستخدمها ،، فالتعاطف أكثر من مجرد الإحساس العفوي بالآخر ، الذي يغمرنا ، أو يستحوذ علينا ، استناداً لمشاعر الآخر ، وقد يدفع أعيننا لذرف الدموع ،، فالمشاركة الوجدانية : هي مجرد مرحلةٍ سابقةٍ للتعاطف ، فعندما نشارك الآخر وجدانياً، نتذكر كيف يكون الحزن أو السعادة أو الحنق ، إننا نتقاسم هذه الخبرات ، و يمكننا لهذا أن نعزي أنفسنا ، أو أن نفرح أو نتوتر ، و هكذا ينشأ بين الناس تشاركٌ مصبوغٌ بالانفعال أو المشاعر ، إلا أنه من حيث المبدأ تشاركٌ سطحيٌ ، والتعاطف ليس مجرد المشاركة في المشاعر فحسب ، بل هو يحاول فهم ما هو كَامِنٌ خلف هذه المشاعر. لهذا يشترط للتعاطف الإصغاء الدقيق ، و الملاحظة الدقيقة ، فإذا أردنا أن نكون متعاطفين ، فإننا نريد أن تفهم بدقةٍ ماالذي يجري مع الآخر . لهذا نحاول أن نرى العالم بعيونه ، وذلك بارتداء حذائه ، وهذا التبديل للمنظور ، والتخلي العابر عن منظورنا ، يفتح لنا تفهماً ، يتجاوز المشاركة الوجدانية للآخر ، و بمجرد ذلك نستطيع قراءة ماالذي يفكر فيه الآخر و يحسه ، وما ينويه ، وما هي الدوافع والعقد التي دفعه لفعلها ؟ عندئذ يمكننا أن نتعاطف معه ، وهذا يعني : أننا نستطيع عندئذ مساعدته ، أو حتى حماية أنفسنا من نواياه ومخططاته ، إذْ أنه يمكن استخدام التعاطف لصالح الآخر ، أو لإلحاق الضرر به ، فمن يعرف بشكلٍ جيد ما يدور في رأس المحيطين به ، فإنه لايستطيع نصحه ، أو حمايته فحسب ، بل توجيهه و استغلاله .  
وضمن الظروف العادية يعيد الإنسان تاريخه التطوري في سـنـواتـه الأولى من العمر ، وحتى المواليد الجدد يستجيبون لبكاء الأطفال الآخرين ، و في عمر الشهرين يبكي الطفل عندما يرى دموع الغرباء ، أو يستجيب بابتسامةٍ ، فالأطفال يمكنهم في وقتٍ مبكرٍ التعرف على المشاعر ، ويعكسون على أية حــالٍ المشاعر البسيطة ، كـالـفـرح أو الحنق أو الحزن ، وليس المشاعر المعقدة ، كالخجل أو الازدراء ، وفي عمر السنوات الست الأولى ، يُدْرِكُ الأطفال أنه يمكن أن يكمن خلف التعبير عن شعورٍ ما ، شعورٌ آخر مختلفٌ كلياً ، وعند إتمام سن السبع سنوات ، يفهم الأطفال المواقف المعقدة ، التي تظهر فيها المشاعر ، على نحو الغيرة و الذنب ، والفخر أو التواضع ، وبالتدريج يصبح لهم أيضاً دور الدوافع والمقاصد الكامنة ، خلف تعبيرٍ ما أكثر وضوحاً ، وبين سن التاسعة و الحادية عشرة ، يمكن للأطفال أن يتعرفوا من الإشارات غير اللفظية ، إذا أراد شخصٌ خداعهم ، أو استغلالهم ، اعرف ماالذي تحس به ؟ اعرف ماالذي يدور بداخلك ؟ مثل هذه الجُمَلْ تساعدنا في بعض المواقف ، في التعبير عن الحساسية ، والمشاركة الوجدانية ، فعندما نكونوا متعاطفين ، فإننا لانمتص بصورةٍ سلبيةٍ المشاعر التي يعيشها الآخرون الآن فحسب ، بل إن التعاطف أكثر من مجرد نوع من الواقع التقديري ، الذي نفكر ونشعر فيه ، كما لو كنا مكان الآخر ، فالتعاطف يسأل : ماالذي يعنيه شعورٌ ما ؟ ما الذي أراه من خلال التبصر في العالم الروحي للشخص الآخر؟ لهذا يتطلب التعاطف إلى جانب كل التشارك والإحساس بالآخر ، درجةً معينةً من البعد ،، فمن يكون تعاطفياً أو متعاطفاً ، لايذوب في مشاركة المشاعر ، أو لايشارك الآخر في غضبه وفرحه ،، إن التعاطف يعني التعلم من الحوار ، و التصرف بعد ذلك ، والتعاطف ليس هدفاً بحد ذاته ، إذْ أننا بمساعدته نوسع معرفتنا ، وذخيرتنا السلوكية ، ونحسن تفهمنا للعالم والبشر ، كي نتمكن من حل المشكلات بشكلٍ أفضل ، ونتجاوز الأزمات ، ونتعرف على الأسباب من عُمْقٍ .
إن المستمع المتعاطف ، يستجيب لكل موقفٍ بحساسيةٍ ، ولا ينساق وراء القوالب الجامدة ، والأحكام المسبقة ، ويسجل أدق التغيرات ، وأقل الأصوات انخفاضاً ، وإلى جـانـب التدريب ، يتطلب التعاطف و معرفة الذات ، التركيز والانتباه بشكل خاصٍ ، والانفعالات السلبية كالخوف أو الغضب بشكل خاص تطلق هرمونات الإرهاق ، وتجعل العضلات تتشنج ، وتضيق الاستثارات الفيزيولوجية من الرؤية ، و تخفض بصورةٍ مؤكدةٍ من قدرات الإدراك ، وعندما نشعر أن شخصاً ما ، يعاني من هذه الحالة ، نبدي تعاطفاً تجاهه ، وذلك بمساعدته على التنفيس عما بداخله ، وعلى ألا يستخلص استنتاجاتٍ متسرعةٍ ، وتتجلى القدرة التعاطفية من خلال مساعدتنا لشخص ما ، على كيفية رؤية الكل الأكبر ، قبل أن يستسلم لتصرفاتٍ طائشةٍ ،،
فالاتجاه التعاطفي يمكن ألا يكون للسلوك الراهن لشخصٍ ما ، علاقةٌ بالوضع الراهن ، وبشكلٍ خاصٍ ، ألا تكون له علاقةٌ بنا ، فقد لا يكون زميلنا المتجهم غاضباً منا ، بل قد يكون مثقلاً بصراعٍ أسَرِيٍ غير محلولٍ ، أو يعاني من غيظٍ متراكمٍ ، بسبب راتبه السيئ الذي يتقاضاه ،، إننا نجر وراءنا صراعاتنا غير المحلولة كلها ، أو نتذكر فجأةً مرحلةً مُخْجِلَةً من حياتنا ، يلون فيها الماضي بالحاضر، وغالباً ما ينصب هذا على الناس الخطأ ، وفي مثل هذه المواقف يكون من المفيد كبت الاستجابة ، وعدم المعامل بالمثل ، وهكذا يمكننا البقاء موضوعيين ، و نرى بدقةٍ أكبر ،، إن جعل القصة تتفتح ، يتيح لنا التعاطف ، وترك الآخر يروي لنا قصته ، دون التسرع في الحكم ، أو مقاطعته ، أو دون أن نلح عليه في قبول نصائحنا الجيدة ، فهذا يعني في بعض الأحيان التمكن من الانسحاب ، و كذلك عدم تحريض الراوين المفرطين ،، يتطلب التعاطف ، التوقيت الجيد ، والإحساس بأنه سيأتي شيءٌ ما بعد ذلك ، والإنصات إلى أن الآخر يخفي خلف هذا الشعور شعوراً آخر ،، وعليه فالحنق أو الغضب غالباً ما يكون انفعالاً مقنَّعاً مختاراً ، إذْ أن خلفه تكمن على الأغلب الخيبة ، والانجراح ، واليأس ، ومشاعر العزلة ، وبشكلٍ خاصٍ غالباً مايكمن خلفها الإحساس بعدم الفهم ، ووضع الحدود لايعني التعاطف ، والإفصاح للآخر عن مقاصدنا ، من أجل أن ندفعه للمصارحة ، ويعتقد الكثير خطأً بأنهم عندما يروون شيئاً ما في حياتهم الخاصة ، أو من محيط مشاعرهم ، بأنهم يحققون بذلك أساساً من الثقة ، فمن يروي شيئاً ما عن نفسه ، يمكن أن يحقق بعض الـراحـة على المدى القصير ، إلا أنه على المدى البعيد تعد هذه المصارحة ، فهمُها غير مُجْدِيةٍ ، فكل إنسانٍ يرغب بأن يرى أن مشاعره محترمةٌ ، بوصفها مشاعر أو مشكلاتٍ فريدةٍ من نوعها ، ومن ثم فليس من المفيد عندما يؤكد له احدهم بأنه قد مر بالخبرة نفسها ، وحتى عندما يبدو الأمر غير منطقيٍ ، فمن أجل التمكن من الإصغاء ، دون أحكام مسبقةٍ ، علينا الانفصال بعض الوقت عن خبراتنا ، حتى يبدو لنا أن كثيراً مما نسمعه معروفٌ لنا ، فعلينا أن نكون منتبهين ، وكأننا نسمع قصة الآخـر للمرة الأولى ،، إن تقويم الآخرين بشكلٍ صحيحٍ يتطلب الإصغاء التعاطفي ، لتبني رؤية الآخر للعالم ، دون نظرياتٍ أو فرضياتٍ مسبقةٍ حول الآخر . من أجل خبرة حقيقتها الذاتية هي الحقيقة حول نفسه . فنحن لا يمكننا أن نعرف شخصاً ما بالفعل إن لم نكن قد أصغينا إليه قبل فترةٍ طويلةٍ و بشكلٍٍ مُركزٍ . وهنا يساعدنا من التأكد بين الحين والآخر ، فيما إذا كان شريك المحادثة ، يشعر بأنه مفهوم بالفعل ، وفيما إذا كان يعتقد بأنه قد عبر عن كل ما يعتبره مهمٌ بالنسبة له ،، ففي نقاش ما ، أو جَدَلٍ ينبغي استخدام القواعد التالية " لايحق لأي شخصٍ أن يتحدث عن نفسه ، قبل أن يكون قد أعـاد أفكار ومشاعر محدثه بدقة " ، فعلى كـل مصغٍ أن
يكون قادراً على تلخيص رؤيةٍ ، أو وجهة نظر الآخر بدقةٍ ،، فالقدرة على التعاطف ليست امتيازاً ، يختص به الناس ذوي النوايا الطيبة فقط ، إذْ يمكن أن يتم استخدام التعاطف ضدنا ، من النصابين و الأنانيين و المضللين ، فكلما استطاع شخص ما ، الانغماس في جوهر عالمنا الداخلي ، سَهُلَ عليه استغلالنا ، ومن أجل مقاومة ذلك : علينا أن نشحذ انتباهنا التعاطفي الخاص ، عن طريق اتباع الآتي :
1-   التفريق بين التعاطف الوظيفي و الأصيل : فغالباً مانحس بدقةٍ كبيرةٍ فيما إذا شخصٌ يريد سبرنا ، من أجل خداعنا ، أو استغلالنا ، أو غبننا ، فالحدث والموقف ، يقولان لـنـا بوضوحٍ فيما إذا كـان علينا أن نتقبل عرضاً للمساعدة ، أم من الأفضل ألا نفعل ذلك ، إلا أن التعاطف الأصيل قد يختلط حتى في العلاقات الحميمة مع التعاطف الوظيفي ، وقد يبدو الشخص لنا لطيفاً، إلا أنه يربط المشاركة الحقيقية مع رغباتٍ أنانيةٍ ، وهذا أمرٌ عاديٌ ، طالما نظل قادرين على فهم اللعبة ، و لا نشعر بالاستغلال .
إن التعاطف لا يعني  " اللطف مع الآخرين " : ليس هدف الإصغاء التعاطفي خبرة ذلك الشيء الذي نريد خبرته ، ولا يعني كذلك الحصول على إعجاب الآخر ، ونعززه بأخطائه أو آراءه ، والتعاطف ليس العطف أو الإشفاق . بل الهدف هو التقدير الواقعي والدقيق للآخر ، بهدف مساعدته ، فإذا لم يرد شخصٌ  ، أو لم يتمكن من تقبل اتجاهاتنا التعاطفية ، علينا ألا نشعر بالذنب بسبب ذلك ،، وقد يصبح الأمر وَخيماً في بعض الأحيان ، وذلك عندما تتجمد سيرورة التعاطف المتبادل هذه ، لأن أحد الشريكين قد توصل في لحظة من اللحظات بأنه يعرف الآخر معرفةً تـامـةً ، فلا يعود يصغي إليه بدقةٍ ، ويتوقف عن السعي نحو تعلم الرغبات المتجددة ، ووجهات النظر المتغيرة للآخر . وغالباً ماتعبر الجملة القائلة " أنت لا تعرفني على الإطلاق " عن بداية النهاية ، وتشير إلى حقيقة أن هذا هو الواقع بالفعل ، و أن الشريكين قد عاشا إلى جانب بعضيهما البعض بشكلٍ لا تعاطفيٍ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق