السبت، 8 يناير 2011

كن طاهراً

لما كانت الطهارة فيها فوائد عظيمةٌ، وثمراتٌ جليةٌ، وحِكَمٌ ومنافع للقلوب والأبدان ، أحببنا أن نقف على بعض ثمرات الطهارة ، فليس الأمر فقط غسل هذه الأطراف للنظافة والطهارة ، بل هناك حِكماً وفوائد عظيمةً في الوضوء ، ومصالح لاتخطر على بال كثيرٍ من الناس ،، من أجل هذا وغيره من الأسباب جمعنا هذه الثمرات والفوائد ، وهي كثيرةٌ ، نقتصر على بعض منها على سبيل المثال لاالحصر ، فمن ثمرات الطهارة وفوائدها :

1-     لما كانت هذه الأطراف هي محل الكسب والعمل ، وكانت هي أبواب المعاصي والذنوب كلها ، فمنها ما يكون في الوجه ، كالسمع والبصر، واللسان والشم والذوق ، وكذا الأمر في سائر الأعضاء ، كان الطهور مكفراً للذنوب كلها ، أخرج الإمام أحمد والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا توضّأ العبد المؤمن خرجت خطاياه من فيهِ ، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه ، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه ، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه ، وإذا غسل يديه خرجت الخطايا حتى تخرج من تحت أظفار يديه ، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه ، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظافر رجليه ) ، وعند الترمذي ( خرجت ذنوبه مع الماء ، أو مع آخر قطر الماء ) ، فكره بعض العلماء مسح فضل الوضوء من أجل أن تطول مدة خروج الذنوب ، لأن فضله عبادة ، وقد جاءت إحدى زوجات النبي  صلى الله عليه وسلم بمنديل للنبي صلى الله عليه وسلم ، لمّا انتهى من وضوئه ، فرده وأخذ ينفض بيديه ، فالطهور إذاً مكفّر للذنوب ، بشرط الإسباغ .

2-     إن من ثمار هذا الوضوء ، سِمَاةُ هذه الأمة ، وعلامتهم في وجوههم وأطرافهم يوم القيامة بين الأمم ، وليست لأحدٍ غيرهم ، والمراد بالحلية الإكثار من الوضوء وليست الزيادة على أعضاء الوضوء ،، أخرج الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إن أمتي يأتون يوم القيامة غُرْلاً مُحَجلين من أثر الوضوء ) .

3-     إذا نام العبد وهو طاهرٌ ، دعا الملك له بالمغفرة ، كلماً انقلب في أي ساعةٍ ، فقد ثبت عند الإمام البزار ، وقال الهيثمي : إسناده حسن ، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من بات طاهراً ، بات في شعاره ملك ـ وهو الملاصق للجسم من الملابس ـ فلا يستيقض من الليل إلا قال الملك : اللهم اغفرْ لعبدك ، كما بات طاهراً ) ، فيحصل العبد إذا نام على طهارةٍ ، على ثلاث خصالٍ ، أنه يبيت الملك في شعاره ، ودعاء الملك له بالمغفرة ، وإذا مات ، مات على طهارةٍ ، مع أن النوم موتةٌ صغرى .

4-     انتهاء العبد من الوضوء ، وختمه بالشهادتين ، موجبٌ لفتح أبواب الجنة ،، أخرج الإمام مسلم عن عمر وعقبة رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ما منكم من أحد يتوضأ ، فيبلغ أو يسبغ ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، إلا فتحت له ابواب الجنه الثمانية ، يدخل من أيها شاء ) ، وفي روايةٍ للإمام الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين ) .

5-     إن الوضوء سلاح المؤمن ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " إن الوضوء الصالح يطرد عنك الشيطان " ، ولذا استحب النوم على طهارة ، فإن العبد إذا نام على طهارةٍ بات الملك في شعاره ، ومن المعلوم أنه إذا حضرت الملائكة خرجت الشياطين . وكذا يستحب لمن شرع في علاج من مسّه الجن أن يتوضأ قبل العلاج ؛ لأنه حِصنٌ من الشيطان .

6-     الطهور تنشيطٌ للجوارح ، وزيادةٌ في ذهاب الأخلاف التي على البدن ، فيقف العبد في طهارةٍ ونشاطٍ ، وهذا مجرّبٌ ، لأن الماء يعيد إليه نشاطه وقوته وحيويته ،، والأبلغ منه الغسل ، وعدم الطهارة والاغتسال من أسباب انتشار الأمراض ، وإذا بات العبد جُنباً ، فإنه حينها لم يأذن لروحه بالسجود تحت العرش .

7-     إن الوضوء من خصال الإيمان الخفية ، التي لا يحافظ عليها إلا المؤمن ، كما أخرج الإمام أحمد من حديث ثوبان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن ) فمن ثمرات المحافظة على الطهارة الشهادة له بالإيمان .
8-     يرفع الله المتطهر بطهارته الدرجات ، فقد أخرج الإمام مسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات ، قالوا : بلى ، قال : إسباغ الوضوء على المكاره ) ،، فإسباغ الوضوء في البرد ، ولاسيما في الليل ، رفعةٌ في الدرجات ، ومباهاة الله به للملائكة ، وينظر الله إلى صاحبه .

9-     حب الله للمتطهرين ، قال تعالى ( إن اللهَ يحب التوابين ويحب المتطهرين ) " سورة البقرة آية 222 " ، فالطهر طُهْرٌ بالماء من الحدث ، وطُهْرٌ بالتوبة من الشرك والمعاصي .

10-  أن الوضوء في البيت ، ثم الخروج إلى المسجد على طهارةٍ ، يكون ممشاه نافلةً ، حيث أن الله كفر ذنوبه بالوضوء ، ويكون صاحبه زائراً لله .

فانظروا رحمكم الله ، كم في الطهارة من ثمارٍ ، وكم تيسر للعبد من أسباب تكفير الخطايا ؛ لعلّه يتطهر قبل الموت ، فيلقى ربه طاهراً ؛ فيصلح لمجاورة ربّه في دار السلام ، ولكن مع الأسف ، فرغم هذه الفضائل ! إلا أننا نشاهد بعض المصلين من لا يحسن الوضوء كما ينبغي ، فمنهم من ترى في وجهه بعض الأماكن لا يصلها الماء ، وخصوصاً طلبة المدارس كالجبهة وبجوار الأذنين ، وبعضهم يغسل نصف يديه ، أو ترى بعض البقع لا يصلها الماء في الكعبين ، إلى غير ذلك من الأخطاء والمخالفات ،، والحاصل أنه ينبغي للمسلم أن يتعلم صفة الوضوء الكامل ، ويحرص عليها .




صفة الوضوء الكامل :
1-     النية قبله : فيتوضأ ، وينوي بذلك الوضوء استحلال الصلاة ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إنما الأعمال بالنيات ) ، بخلاف لو غسل أعضاء الوضوء ، من أجل إزالة غبارٍ أو وسخٍ ، أو يتبرد به من شدة الحر ، فلا يعتبر حينها وضوءاً .

2-     التسمية : كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ) " رواه تسعةٌ من الصحابة " ، وقد حسّنها ابن كثير والمنذري وابن القيم وابن حجر والشوكاني ؛ لأن الضعف كان من جهة الحفظ ، فتظافرت بمجموعها ، فكان درجة الحديث الحسن لغيره ، لأنه لو كـان الضعف من جهة كون الراوي متهماً
بالكذب ، فلا يعتضد بعضها ببعض ،، وحكم التسمية : مستحبةٌ ، على الصحيح من أقوال أهل العلم ، وهذا قول الجمهور ، وحديث الأعرابي ، لمّا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء ، فقال له ( توضأ كما أمرك الله ) ، وحُمل النفي على أنه لاوضوء كامل ، والأفضل والأكمل ذكر التسمية ؛ لأن من ذَكَرَ الله على وضوئه ، ليس كمن لم يذكره ، وأما إذا كان في الحمام فيسمي بقلبه .

3-     غسل اليدين ثلاثاً ، وهذا مستحبٌ ، إلا أثناء القيام من النوم ، فغسل اليدين قبل الوضوء واجبٌ ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا استيقظ أحدكم من النوم ، فليغسل يديه ثلاثاً ، فإنه لا يدري أين باتت يده ) ، لذا يلزمه غسل اليدين بعد القيام من النوم سواء كان يصب الماء على يديه، أو كان يغرف بيده ، أما إذا لم يكن نائماً ، فيكون الغسل مستحباً ؛ لأن اليدين هي الناقل لأعضاء الوضوء ، فيستحب غسلها قبل إدخالها في الإناء .  

4-     المضمضة والاستنشاق من كفّه اليمنى ، بغَرفةٍ واحدةٍ للفم والأنف ثلاث مراتٍ ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( فمضمضْ واستنشقْ ثلاثاً بثلاثٍ ) ، والسنة الكاملة في المضمضة هي : إدخال الماء في الفم ، ثم تحريكه ثم إخراجه ،، وحكم المضمضة والاستنشاق في أصح أقوال أهل العلم ، بأنها سنةٌ وليست واجبةٌ ؛ وقيل في حِكْمَةِ المضمضة والاستنشاق هي : أن العبد إذا تمضمض ، أدرك الضرر ، إذا كان في الماء ضررٌ ، كمن يتوضأ في ظلامٍ ، فيدرك الضرر قبل غسل وجهه ، وغير ذلك من الحِكَمِ .
5-     غسل الوجه ثلاث مراتٍ .

6-     غسل اليدين ثلاثَ مراتٍ ، ويجب غسل اليدين ، من رؤوس أطراف الأصابع ، إلى المرفقين، ويدخل في ذلك المرفقين ، لفعله صلى الله عليه وسلم، أما الزيادة بعد ذلك ، فلا تشرع ، لأنه لم يفعله صلى الله عليه وسلم ، أما حلية المؤمن ، فتحصل بالإكثار من الوضوء ، والمداومة عليه ، لا بالزيادة ، فلا يشرع لأحدٍ أن يزيد على وضوءه صلى الله عليه وسلم ، لأنه أخشى الناس وأتقاهم لله جل وعلا .

7-     مسح جميع الرأس ومنه الأذنان ، ويمسح مرةً واحدةً ، من مقدمة الرأس إلى القفا، ثم العودة مرةً أخـرى إلى الناصية ، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم مسح
مسح رأسه ، فاقبل بهما وأدبر مرةً واحدةً ،، أما بالنسبة للمرأة : فالسنة أن تمسح مرةً واحدةً ، إقبالاً بلا إدبارٍ .
8-     غسل الرجلين إلى الكعبين ، ثلاث مراتٍ ، ويدخل في ذلك أيضاً الكعبين ،،، واعلم بأنه يجوز للمتوضئ ، أن يغسل بعض الأعضاء ثلاث مراتٍ ،  وبعضها مرتين ، وبعضها مرةً واحدةً ،، فالمتوضئ مُخيّرٌ ، فأعلى الكمال ثلاث مراتٍ ، وأوسطه مرتين ، وأدناه مرةً واحدةً .
9-     المحافظة على السنة القولية ، التي تقال بعد الانتهاء من الوضوء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق