الخميس، 27 يناير 2011

كن باراً

اهتم الإسلام ببر الوالدين والإحسان إليهما والعناية بهما ، وهو بذلك يسبق النظم المستحدثة في الغرب مثل " رعاية الشيخوخة ، ورعاية الأمومة والمسنين " حيث جاء بأوامر صريحةٍ ، تلزم المؤمن ببر والديه وطاعتهما ، قال تعالى موصياً عباده ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً ) " سورة الأحقاف آية 15 " ، وقَرَنَ برهما بالأمر بعبادته في كثير من الآيات ؛ وبرهان ذلك قوله تعالى ( وقضى ربكَ ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ) " سورة الإسراء آية 23 " ، وقوله تعالى ( واعبدوا اللهَ ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ) " سورة النساء آية 36 " ، وجاء ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد توحيده عز وجل ، لبيان قدرهما وعظم
حقهما ووجوب برهما ،، قال القرطبي رحمه الله في قوله تعالى ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) " سورة الأنعام آية 151 " { أي برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أوامرهما } .

أنواع البر:
لبر الوالدين أنواعٌ كثيرة بحسب الحال وحسب الحاجة ، فمنها على سبيل المثال لاالحصر :
·   اختصاص الأم بمزيد من البر لحاجتها وضعفها وسهرها وتعبها في الحمل والولادة والرضاعة ، والبـر يـكـون بحسن الصحبة ، والعشرة بالطاعة والصلة ، لقوله تعالى ( ووصينا الإنسان بوالديه حملتهُ أمه وَهْناً على وَهنٍ وفصالُهُ في عامين أنِ اشكر لي ولوالديكَ إلي المصير ) " سورة لقمان آية 14 " ،، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ) " متفق عليه " .
·   فعل الخير ، وإتمام الصلة ، وحسن الصحبة ، وهو في حق الوالدين من أوجب الواجبات، وقد جاء الإحسان في الآيات السابقة بصيغة التنكير ، مما يدل على أنه عام يشمل الإحسان في القول والعمل ، والأخذ والعطاء ، والأمر والنهي ، إلا أنه لاطاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق .
·   الإحسان إليهما ، وتقديم أمرهما وطلبهما ، ومجاهدة النفس برضاهما حتى وإن كانا غير مسلمين ، لقوله تعالى ( وإن جاهداكَ على أن تشركَ بي ماليس لكَ به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ) " سورة لقمان آية 15 " .
·   عدم رفع الصوت عليهما أو مقاطعتهما في الكلام ، وعدم مجادلتهما والكذب عليهما ، وعدم إزعاجهما إذا كانا نائمين ، وإشعارهما بالذل لهما ، وتقديمهما في الكلام ، والمشي احتراماً لهما وإجلالاً لقدرهما.
·   شكرهما الذي جاء مقروناً بشكر الله ، والدعاء لهما ، قال تعالى ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ) " سورة الإسراء آية 24 " ، وأن يؤثرهما على رضا نفسه وزوجته وأولاده .
·   لاينبغي للابن أن يتضجر من الوالدين ولو بكلمة أف ، بل يجب الخضوع لأمرهما ، وخفض جناح الذل لهما ، ومعاملتها باللطف والتوقير ، وعدم الترفع عليهما .
·   استئذانهما قبل السفر ، وأخذ موافقتهما ، إلا في حج فرض ، قال القرطبي رحمه الله " من الإحسان إليهما والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما " .
·   رعايتهما خاصة عند الكبر ، وملاطفتهما ، وإدخال السرور عليهما ، وحفظهما من كل سوء ، وأن يقدم لهما كل ما يرغبان فيه ويحتاجان إليه.
·   الإنـفـاق عليهما عند الحاجة ، قال تعالى ( قلْ ماأنفقتم من خيرٍ فللوالدَين والأقربين ) " سورة البقرة آية 215 " ، وتعتبر الخالة بمنزلة الأم .
·   الدعاء لهما بعد موتهما ، وبر صديقهما ، وإنفاذ وصيتهما .

فضل بر الوالدين:
دلت نصوص شرعية على فضل بر الوالدين وكونه مفتاح الخير ، فمنها مثالاً لاحصراً :  

·   أن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله عز وجل : فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : ( أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبايعك على الهجرة والجهاد ، أبتغي الأجر من الله تعالى ، فقال صلى الله عليه وسلم : هل من والديك أحد حي ؟ قال : نعم ، بل كلاهما ، قال : أفتبتغي الأجر من الله تعالى ؟ قال : نعم ، قال : ارجع فأحسن صحبتهما ) " متفق عليه " .
·   أن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله : فعن أبي عبدالرحن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قـال ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحـب إلى الله ؟ قال : الصلاة على وقتها ، قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين ، قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ) " متفق عليه " .
·   أن بر الوالدين سببٌ لدخول الجنة : فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( رغم أنفه ، رغم أنفه ، رغم أنفه ، قيل : من يا رسول الله ؟ قال : من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة ) " رواه مسلم والترمذي " .
·   أن بر الوالدين منجاة من مصائب الدنيا : بل هو سببٌ لتفريج الكروب ، وذهاب الهم والحزن ، كما في قصة أصحاب الغار ، حيث كان أحدهم باراً بوالديه يقدمهما على زوجته وأولاده في كل شيءٍ .

·   أن رضا الرب في رضا الوالدين : فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( رضا الرب في رضا الوالدين ، وسخط الرب في سخط الوالدين ) " رواه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم " .

التحذير من عقوق الوالدين:
وعكس البر العقوق ، ونتيجته وخيمة ، فعن أبي محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يدخل الجنة قاطع ) ، قال سفيان في روايته : يعني قاطع رحم ،  " رواه البخاري ومسلم " ،، والعقوق : هو العق والقطع ، وهو من الكبائر بل كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من أكبر الكبائر ،، وفي الحديث المتفق عليه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يارسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين . وكان متكئاً فجلس ، فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور ، فما زال يرددها حتى قلنا ليته سكت ) ،، والعق لغة : هو المخالفة ، وضابطه عند العلماء : أن يفعل مع والديه ما يتأذيان منه تأذياً ليس بالهيّن عُرْفاً ،، وفي المحلى لابن حزم ، وشرح مسلم للنووي : { اتفق أهل العلم على أن بر الوالدين فرضٌ ، وأن عقوقهما من الكبائر، وذلك بالإجماع } ، وعن أبي بكرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( كـل الـذنـوب يؤخـر الله تعالى ما شاء منها إلى يوم القيامة ، إلا عقوق الوالدين ، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الموت ) " رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك وصححاه " .

بر الوالدين بعد الممات:
إن بر الوالدين لا يقتصر على فترة حياتهما ، بل يمتد لما بعد مماتهما ، ويتسع ليشمل ذوي الأرحام وأصدقاء الوالدين ،، ( جاء رجل من بني سلمة فقال : يارسول الله : هل بقي من بر أبواي شيءٌ أبرهما بعد موتهما ؟ قال : نعم ، الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما ) " رواه أبو داود والبيهقي " .
ويمكن الحصول على البر بعد الموت بالدعاء لهما ،، قال الإمام أحمد { من دعا لهما في التحيات في الصلوات الخمس فقد برهما } ، ومن الأفضل أن يتصدق الصدقة ويحتسب نصف أجرها لوالديه .
أحكام شرعية خاصة بالوالدين:
لا حد على الوالدين في قصاص أو قطع أو قذف. وللأب أن يأخذ من مال ولده إذا احتاج بشرط أن لا يجحف به ، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته . ولا يأخذ من مال ولده فيعطيه الولد الآخر " المغني : 6 /522 "، وإذا تعارض حق الأب وحق الأم فحق الأم مقدم ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ) " رواه الشيخان " ، والمرأة إذا تزوجت فحق زوجها مقدم على حق والديها.
وقال في المقنع { وليس للابن مطالبة أبيه بدين ، ولا قيمة متلف ، ولا أرش جناية ، قلت : وعلى الوالدين أن لا ينسيا دورهما في إعانة الولد على برهما ، وذلك بالرفق به ، والإحسان إليه ، والتسوية بين الأولاد في المعاملة والعطاء } والله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق