السبت، 8 يناير 2011

كن متوكلاً

كن متوكلاً على الله تعالى في السراء والضراء ، فالحزن والهموم لن تُعِد لنا الأحبة ولن تقدّم أو تؤخّر ،، فالقلب المتوكل على ربه ، يـدل على أن التوكل من أعمال القلوب ،
يقول الإمام أحمد في تعريف التوكل : { هو علم القلب بكفاية الرب للعبد } والنبي عليه الصلاة والسلام من أسمائه " المتوكل " ، وهو سيد المتوكلين ، ومن توكله صلى الله عليه وسلم ، عندما كان مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الغار ، والكفار حولهما ، وأبو بكر يقول للرسول صلى الله عليه وسلم : لو نظر أحدهم إلى قدمه لرآنا ، فقال له عليه الصلاة والسلام : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .
إن أسباب التوكل على الله كثيرةٌ ، رتعد ولا تحصى ، وما سأسرده هو على سبيل المثال لاالحصر ، فمن هذه الأسباب :
·   طاعة لله تعالى : قال تعالى ( وتـوكـل على الـحـي الذي لا يموت وسبح بحمده ) " سورة الفرقان آية 58 " .
·   التوكل على الله من كمال الإيمان : فمن كمال الإيمان أن يكون المؤمن متوكلاً على الله ، قال الله تعالى ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) " سورة المائدة آية 23 " .
·   الوصول لحب الله تعالى : قال تعالى ( فإذا عزمتَ فتوكل على اللهِ إن الله يحب المتوكلين ) " سورة آل عمران آية 159 " .
·   تحقيق الكفاية في جميع الأحوال : مثل الكفاية النفسية ، وكفاية الشفاء عندما تكون مريضاً ، وكذلك الكفاية في الـرزق والسعادة ، وفي كـل الأمـور ، قال تعالى ( فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً ) " سورة النساء آية 81 " وقال سبحانه ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) " سورة الطلاق آية 3 " ،، فلو أننا بالفعل توكلنا على الله حق توكله ، لرزقنا كما يرزق الطير ، قال عليه الصلاة والسلام ( لو توكلتم على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خِمَاصاً وتعود بِطَاناً ) .
·   تحقيق الأمن والاستقرار : بالذات في هذا الزمان ، الذي كثرت فيه الحروب والأخبار ، ولا يـكـاد أحدنا يسمع خبراً عن طـريـق القنوات أو الأجهزة السمعية ، إلا وتجد فيه خبر تفجيرٍ ، أو قتلٍ ، أو نحو ذلك من الأخبار السيئة ،، أما المتوكل على الله تعالى ، فإنه لايشعر بهذه المشاعر ، وتجده دائماً سعيداً ، ويشعر بالاطمئنان ، حتى لو كان في أرض الحرب ، لأنه يشعر بالأمن الداخلي مع الله تعالى ، قال تعالى ( الذين قال لهم الناسُ إن الناسَ قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) " سورة آل عمران آية 173 " ، ومعنى الآية السابقة " أي أن من صفة المؤمنين تذكر الله تعالى في كل لحظةٍ ، حتى وقت الشدائد ، وعندما يحاط بهم من كل
جانبٍ ، يتذكرون الله تعالى ، ويقولون تسليماً منهم وتوكلاً عليه ، حسبنا الله ونعم الوكيل : أي يكفينا الله تعالى شر من يريد الشر بنا ، وهو أهلٌ لهذه الكفاية " .
·   التوكل على الله تعالى من أسباب دخول الجنة : وهذا واضحٌ من صفات الذين يدخلون الجنة بغير حسابٍ ، وهم الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال عليه الصلاة والسلام ( هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون )، ومعنى كلمة " يسترقون " : فسرها العلماء بأنه لا يعني أنهم لايرقون أنفسهم بالقرآن ، ولكن لايسترقون : أي لايذهبون للرقى والتمائم ، ولا يـتـعـلـقـون بالمشعوذين ، أو لايتعلقون بشخصٍ مُعينٍ يظنون أن الشفاء بيده " ، ومعنى " لايتطيرون " : أي لايتشاءمون ، فهناك أناسٌ يتشاءمون إذا رأوا شيئاً معيناً ، وهذه الصفة ليست من صفة من يدخل الجنة بغير حساب .
·   المتوكل على الله محفوظٌ من كيد الشيطان : أي هو في حرزٍ من وساوس إبليس لعنه الله ، يقول عليه الصلاة والسلام ( إذا خرج الإنسان من بيته ، وقال : بسم الله ، توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فيقال له : هُدِيتَ وَوُقِيتَ وكُفِيتَ ) ، ومعنى " هُدِيتَ " : أي سهل الله لك وسائل الهداية ، فلا تضل ،، ومعنى " وَوُقِيتَ " : أي وقاك الله تعالى من الشر ،، ومعنى " وكُفِيتَ " : أي كفاك الله تعالى من أي أمرٍ كائنٍ ماكان .
إن الإنسان إذا توكل على الله حق توكله ، فإنه سيحصل على ثمرة التوكل ، وهي الرضا النفسي ، وكلنا يطلب هذا الشيء ، وأيضا كفاية الله تعالى له ،، وفي طلب الـتـوكـل أنواع : فمنه طلب التوكل في الرزق والهداية والشفاء ، ولكن هناك توكل هو من أسمى أنواع التوكل ، وهو توكل الأنبياء في هداية البشر ، وهم يتوكلون على الله تعالى ، في فتح بصائر القلوب ، وتيسير الهداية للناس ، وهكذا فهم يتوكلون على الله تعالى ، لحياة البشر، وهو أسمى أنواع التوكل ،، فالخصلة العظيمة في التوكل هي الغنى الحقيقي للقلوب ، والله تعالى هو الذي يعوض ، فالقلوب بمجملها متوكلةٌ على الله تعالى ، كقلوب الأنبياء عليهم السلام ، وأخص بالذكر من الأنبياء : سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وذلك لما حصل معه عند دعوته الناس لعبادة الله وحده ، فحفر له قومه المشركون حفرةً ، ووضعوا فيها ناراً ، ليلقوا نبينا إبراهيم الخليل عليه السلام فيها ، وكان من عظمة هذه النار أن الناس كانوا لايستطيعون القرب منها ، لشدة حرها وهيجانها ، فجهزوا منجنيقاً ، ووضعوا نبي الله إبراهيم عليه السلام
فيه ، وألقوا به في هذه النار ، وهو في الهواء جاءه جبريل ، وقال له : ألك حاجة ؟ فقال : أما لك فلا ، وأما لربي فنعم ،، انظر لقلب نبينا إبراهيم الخليل ، الذي كان متوكلاً على الله في أشد لحظاته وأوقاته ، وهذا القلب هو القلب الغني بعينه ، ثم بعد ذلك قال الخليل : حسبي الله ونعم الوكيل ، فلما قالها ، قال الله تعالى للنار ( يانارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ) ولما سقط سيدنا إبراهيم في هذه النار ، صارت برداً وسلاماً عليه ، حتى قال المفسرون : لو قال تعالى برداً فقط ، لمات من شدة البرد ، ولكنه قال أيضاً وسلاماً ، لتكون النار مكان هدوءٍ وطمأنينةٍ لسيدنا إبراهيم عليه السلام ، وهكذا نجاه الله تعالى من حر ولهب هذه النار .
إن التوكل هو : أن تتوكل على الله تعالى ، وأن تؤمن بأن الله تعالى هو الزراق ذو القوة المتين ، وهوالخالق والقادر على كل شيءٍ ، وأن تتمسك بكتاب الله المتين ، لينير دربك وقلبك، وتتبع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، حينها سيطمئن قلبك ، وصدق القائل :
واشدد يديك بحبل الله معتصما                         فإنه الركن إن خانتك أركــانُ
وهناك كتبٌ كثيرةٌ ، تكلمت على التوكل بالله تعالى ، فمنها على سبيل المثال لاالحصر : " كتاب تهذيب مدارج السالكين " للإمام ابن قيم الجوزية ، والإمام ابن القيم كان تلميذا لللإمام الهروي ، والإمام الهروي ألف كتاباً سماه " منازل السالكين " ذكر فيه مائة منزلةٍ في تفسير قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وأنا أعتقد أن هذه الآية فيها منهج كبير وحبذا لو سأل كل واحد منا نفسه ماذا تعني هـذه الآية له ؟ إن العبد عندما يقول في الصلاة ( إياك نعبد وإياك نستعين ) يقول الله تعالى : هـذا بيني وبين عبدي ، وحين يقول ( اهدنا الصراط المستقيم ) يقول الله تعالى : هذا لعبدي ، ولعبدي ماسأل ، وهذا يعني بأن الهداية تأتي بعد أن يستعين العبد بربه ،، ولدي ملاحظة على الكتاب هي : أنه كتابٌ متخصصٌ بمن يدرس الشريعة ، أو من عنده تذوق بلاغيٌ أكثر ، وهؤلاء قد يفهمونه أكثر من غيرهم ،، والإمام ابن القيم سار في هذا الكتاب على سير أستاذه الهروي و ، ولقد هذب كتابه هذا عن كتاب أستاذه وسماه " تهذيب مدارج السالكين " ، ولا بد لنا من أن نطلع على عبرةٍ عجيبةٍ في خلق الإمام ابن القيم ، تجاه شيخه وإمامه الهروي ، مع أن الإمام ابن القيم اختلف مع شيخه الهروي في بعض المسائل والأمور في هذا الكتاب ، وعلى أساسه أخرج هذا الكتاب لنا ،، والعبرة العجيبة هي وصفه لشيخه ، واحترامه له ، مع ماكان بينهما من خلافٍ مع بعض ، فهو لم يشنع على شيخه ولم يضلله ، وإنما تكلم عنه بكل أدبٍ واحـتـرامٍ وتقديرٍ ، بـخـلاف مايفعله بعض من يخالف شيخه ، حيث يشنع على الشيخ ،
ويتهمه في دينه وعقيدته ،، ونحن لم نتعلم من النبي عليه الصلاة والسلام هذا ، ولا من علمائنا ، لهذا قال ابن القيم في مقدمة كتابه قال " أي الهروي " رحمه الله تعالى : سيرته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يشق لها غبار ، وهو إنسان له مقاماتٌ مشهورةٌ في نصرة الله ورسوله " ،، أما الكتاب الثاني فهو : كتاب " موسوعة نضرة النعيم " ، أعدها واحدٌ وثلاثون عالماً ، وهو جهدٌ جبارٌ  ، وله طريقة في البحث ، وهو أنه يسير على الأحرف الأبجدية ، فمثلا نحن نتكلم عن التوكل ، فنبحث إذاً في حرف التاء ، وعندما نفتح صفحة التوكل نرى أنه يشرح معنى التوكل في البداية ، ثم يبدأ بسرد الآيات التي تخص القرآن الكريم ، ثم الأحاديث التي تخص التوكل ، ثم بعد ذلك ، يذكر مواقف حدثت مع الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخصوص ، وهذه موسوعةٌ روعةٌ ، لا بد من الاستفادة منها في كل منزل ، وهذه الموسوعة لا تخص فئةً بذاتها ، بل إنما يفهمها كل الناس ، لأنها بسيطةٌ في أسلوبها، أما عن المواقع التي تتكلم عن التوكل، فهناك موقع اسمها " اذكر الله " وعند فتح هذا الموقع تـجـده يتكلم عن التوكل بشكلٍ بسيطٍ ومختصرٍ ، وموقع آخـر هـو " الشبكة الإسلامية " وهو موقعٌ يتميز ليس فقط بموضوع التوكل فحسب ، بل بكل المواضيع الدينية ، ولقد ذكر فيه الآيات التي تكلمت عن التوكل ، وعن سيرة الأنبياء في توكلهم على الله تعالى ، وفرق بين التوكل والتواكل ، وفي هذا الموقع أيضاً ، معجمٌ للقرآن الكريم ، والأحاديث ، تستطيع من خلالها البحث عن أية كـلـمـةٍ من القرآن أو الحديث ، ولا ننسى قول القائل " كن غنياً بامتلاكك قلباً متوكلاً على الله تعالى " ،، فكيف نحقق إذاً قلباً متوكلا على الله تعالى ؟ لقد علمنا بأن ثمرة التوكل : هي التي توصلنا إلى الله تعالى ، والتي تعطينا سعة الرزق ، والاستقرار والأمن النفسي ، والحرز من الشيطان ، وأهم من هذا كله هو أنك ستكون من أهل الجنة ، الذين يدخلون الجنة بغير حسابٍ ، إذا توكلت على الله ، وكان قلبك متوكلاً عليه ،، ولتحقيق القلب المتوكل على الله ، اتبع مايلي :
·   معرفة الله تعالى حق المعرفة .
·   بذل الأسباب قبل التوكل على الله تعالى ، ثم بعد بذل الأسباب توكل على الله ، ولقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه دابة فقال أطلقها وأتوكل ؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام ( اعقلها وتوكل ) ،، وهذا يدل على أنه لا بد من بذل السبب أولاً ، ثم التوكل على الله تعالى ، ومن بذل الأسباب " الدعاء " كأن تدعو الله تعالى أن يحفظك ، ويبارك فـي حياتك ، ويغفر لك ، وييسر لك الـتـوبـة والهداية ،
وكذلك بأن تبذل أسباب كل أمر تقصده ، كطلب الرزق ،، واعلم أخي المسلم بأن في هذه القضية أمران مهمان لا بد من الابتعاد عنهما كل البعد ، ألا وهما التواكل والتعلق بالأسباب ،، فهاتان الآفتان لابد من فهمهما ،، فمعنى التواكل هو عدم بذل الأسباب ، كقول " توكلت على الله تعالى " ويدعي بأنه من المتوكلين ، فـلا يـأخـذ معه شيئاً ، ولا يعمل ولا يتعب نفسه ، ادعاءً منه بأنه متوكلٌ ، وهذه صفةٌ خاطئةٌ ،، ولقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما عن أناسٍ قولهم " بأنه كان هناك قومٌ يسافرون ويحجون ، ويسمون أنفسهم المتوكلين ، وإذا وصلوا مكة سألوا الناس الزاد ونحوه " فهذا تواكل وليس توكلٌ ، وهذه رسالةٌ نوجهها لمن يحمّل مسؤولياته على الآخرين، مدعياً بأنه متوكلٌ ، والصحيح بأنه من المتواكلين ، وليس من المتوكلين ،، ولقد سافر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ، وقبل أن يصل سمع بأن الطاعون قد انتشر في بلاد الشام ، وكان قد سمع من النبي بأنه إذا انتشر الطاعون في بلدٍ ، فلا يجوز لأهل البلد الهروب منه ، خوفاً من نقلهم المرض للبلاد الأخرى ، دون شعورٍ منهم ، فرجع وأنكر عليه من كان معه ، وقال له : أتفر من قدر الله تعالى ؟ فرد عليه الفاروق رداً ينير لنا مفهوم التوكل في أنفسنا وهو : بل أفر من قدر الله إلى قدر الله ، " أي يفر من الـمـرض وهـو قـدر الله ، إلى العافية وهي أيضا من قـدر الله " وأنت مختارٌ بين القدرين ،، ولقد قدر الله تعالى لك بأنك إذا أكلت فستشبع ، وإذا شربتَ فسترتوي ، فكذلك من قضاء الله تعالى أنك إذا وحـدت اللهَ تعالى ، فستكون من أهـل الجنة بإذن الله ، لذا يجب أن نبذل الأسباب التي تحقق هذا القضاء ،، وهناك من الناس من يسيء مفهوم التوكل ، حتى الحيوان حينما يجوع فإنه يبحث عن الطعام ، وهذا بذلٌ للأسباب في البحث عن الطعام ، بخلاف من يتواكل ولا يبذل الأسباب ، مدعياً بأنه متوكلٌ على الله تعالى ،، فليس من المعقول أن تمطر السماء عليك ذهباً ، وأنت جالسٌ لاتعمل في بيتك ، لذا  لابد من بذل الأسباب ، فمن فطرة الحيوان بذل الأسباب في كل مايريد ، ونحن أرقى وأعلى من الحيوان ، الذي خلقه الله تعالى ، ومن غير المقبول أن يرضى الإنسان بمكانة أدنى من مكانة الحيوان ، حينما يتواكل ويعتمد على غيره دون بذلٍ للأسباب ، فالفرص كثيرة للإنسان ، وعليه ألا يضيعها ،  بل عليه أن يغتنمها ، فإذا ذهبت الفرص فربما لن تعود أبداً ،، أمـا الآفـة الثانية التي ذكرناها في بـاب التوكل هي : التعلق بالأسباب : فهناك بعض الناس يتعلقون بالأسباب كثيراً ، فلا ينام من شدة تعلقه بالدنيا والأسباب ، وقـد قـرأتُ قصة في هـذا المجال لأبي سليمان الـدارانـي
" إذ أنه حين زار مكة للحج ، رأى رجلاً يشرب من ماء زمزمٍ ليلاً ونهاراً ، ولا يفتر من شربها ، فعلم أبو سليمان بأن هذا الرجل قد تعلق بزمزم " ،، وهناك كثيرٌ من الناس يظن أيضاً بأن الشفاء بيد هذا الإنسان ، أو بماء زمزمٍ ، أو بهذا الدواء ، وهذا اعتقادٌ خاطئٌ ، لأن الصحيح هو أن الشفاء بيد الله تعالى وحده ، وهذا العلاج سببٌ مؤثرٌ في هذا الجسد ، وكذلك هذا الماء والشخص ،، فلا تتعلق بهذا السبب وتنسى المسبب سبحانه وتعالى ، هذا وقد أنكر أبو سليمان على هذا الرجل ، وأوضح له بألا يتعلق بهذا الماء ، حتى لايظن أنها هي الشافية ، وأوضح له من خلال سؤالٍ سأله قائلاً فيه : أرأيتَ إن غارت زمزمُ ، فماذا تشرب ؟ فاستيقظ الرجل من تعلقه ، وقام وقبل رأس أبي سليمان ، وقال له : جزاك الله خيراً أن أرشدتني ، لقد كنتُ منذ أيامٍ أعبدُ زمزمَ .

ورسولنا عليه الصلاة والسلام كان أسوتنا في التوكل وهو سيد المتوكلين ومع ذلك كان يبذل الأسباب ، حيث كان يدخر قوت سنةٍ لبناته وزوجاته ، وكان في غزوة أحد متدرّعاً بدرعين ، وكان بإمكانه أن يترك ذلك ويتوكل على الله ، لكونه معصومٌ من الناس ، ومع هذا تدرع وبذل الأسباب ، وما جاهد قَطٌ وهو عُريانٌ ، فقد كان يلبس الدروع ، ويتوكل على الله تعالى ، وكلنا يعلم هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ، فقد استعان بدليلٍ مشركٍ ، لكي يستدل على الطريق ، وهذا من بذل الأسباب .

·   حسن الظن بالله تعالى : هناك قصةٌ حصلت عند الأعراب : فقد كان رجلٌ يحسن الظن بالله ، وهو دائم التوكل عليه ، وكلما سمع خبراً مزعجاً قال : لعله خيرٌ ، وكان لديه صاحبان يريدان السفر معه ، فأراد أصحابه أن يوقعوا بالرجل ، ويخدعوه ، حتى يدع كلمة لعله خير ، فأخذوا جَمَلَهُ وربطوه خلف الجبل ، وأرادوا أن يدّعوا سرقة الجمل ، وعدم استطاعتهم لحمله ، حتى يخرج مافي قلبه في هذا الموقف إذا غضب ، ويدع كلمة لعله خير ، ففعلوا ما اتفقوا عليه ، وعندما أصبح الصباح قالوا له : لقد سرق جملك ، فقال لعله خير إن شاء الله ، وعندما تحققوا إذا باللصوص قد سرقوا جمال الرجلين، وحفظ الله تعالى جمل هذا الرجل وراء الجبل ، وانقلبت الخديعة عليهم ، وذلك حتى يتبين لهؤلاء بأن الله تعالى عند حسن ظن العبد به ، فإذا ظن العبد خيراً ، أعطاه الله خيراً ، ولا يجوز للعبد أن يظن بالله تعالى سوءاً .
·   تفويض الأمر لله تعالى : وذلك بعد بذل الأسباب والتوكل عليه سبحانه ، والتوكل لابد أن يكون استشعاراً قلبياً لالسانياً، ومن السهل لفظ " توكلتُ على الله " ، ولكن الحق هو : أن يتوكل العبد بقلبه قبل لسانه ، وعند المواقف يظهر صدق التوكل ،، وفي هذا السياق يقول ابن القيم " معنى تفويض الأمر لله : هو إلقاء الأمور كلها لله تعاى ، وإنزالها به طلباً واختياراً " ،، ونحن نذكر هنا عابد بني فرعون : عندما قال لهم : ءامنوا بما جاء به موسى من التوحيد والإيمان بالله تعالى ، فكادوا له ، وأرادوا قتله ، فقال تعالى على لسان عبده ( وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) " سورة غافر آية 44 " فنجاه الله من الشر ، وحفظه بحفظه .
·   خلو القلب من العلائق : ومعنى ذلك بأنه عندما يتوكل المسلم على الله تعالى ، قد يريد ابتلاء هذا المسلم ، فيعطيه من الرزق الكامل ، وأحيانا لايعطيه إياه ، من أجل امتحان قلبه ، لذا لابد أن نربي هذا القلب على الفرح بالشيء ، وعدم الحزن عند فقده .
·   الإكثار من ذكـر الله تعالى : وأخـص من الـذكـر التسبيح ، لأن الله تعالى خص التسبيح ، وربطه بالتوكل ، حيث قال تعالى ( وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده ) " سورة الفرقان آية 58 " والتسبيح نوعٌ من أنواع الأذكار ، التي تعين القلب على التوكل على الله تعالى .
وقبل الختام ،،، أذكركم بكنزٍ من كنوز السنة ، وهو : دعاء الاستخارة ، ففي هذا الدعاء محض التوكل على الله تعالى ،، فإذا وقعت في حيرةٍ بين أمرين فليس لك إلا أن تدعو بدعاء الاستخارة ، فتصلي ركعتين ثم تقول قبل السلام من الصلاة ، ماقاله عليه الصلاة والسلام في الدعاء ( اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علام الغيوب ) ، ثم يقول ( اللهم إن كنتَ تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني و دنياي وعاقبة أمري ، فيسره لي، وإن كنتَ تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي في ديني و دنياي وعاقبة أمري، فاصرفه عني ، واقدر ليَ الخير حيث ما كان ، ثم ارضني به ) وبعد ذلك سيكون ما يختاره الله تعالى لك بمشيئة الله تعالى ،، واعلم بأن التوكل منافٍ للسُخْطِ ، ولا يجتمع سُخْطٌ وتوكلٌ في قلبٍ مؤمنٍ بالله ، ومن اشتكى من أحواله ، فلا يكون متوكلاً على الله تعالى ، قال بشر الحافي رحمه الله تعالى " يقول أحدهم : توكلتُ على الله ، يكذب على الله ، فلو تـوكـل على الله لرضي بما يفعله الله تعالى لـه " ،، ومِسْكُ الختام أقول : ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، والحمد لله رب العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق