السبت، 8 يناير 2011

كن طبيباً

كن طبيباً لقلبك ، تشعر حينها بأنّ قلبك لم يعد مستقرا ، وعامراً بالسعادة والإيمان ، كما كان من قبل ، وتغرق في بحار الغفلة والتقصير في حق الله عـز وجـل ، وتعود إليها من جديدٍ ، بعد كل محاولةٍ تبذلها للخروج منها ،، فإذا كان هذا هو حالك ! فلا شك بأنّ قلبك بحاجةٍ ماسّةٍ لطبيبٍ ؛ من أجل أن يساعدك على الشفاء من المرض الذي أصاب قلبك ،، ربما نكتفي في بعض الأحيان بالمسكنات ، للتخلص من الوعكات الصحية المختلفة ، التي تلم بنا بين الحين والآخر ، ولكن تعب القلب لايجب السكوت عليه ، بأي حال من الأحوال ، لأن الثمن سيكون فادحاً ، فإنسانٌ بلا قلبٍ لن يشعر بأية لذةٍ في الدنيا ، حتى وإن كان غارقاً في الملذات لرأسه ، فإإذا تزحزح الإيمان من قلبك خطوةً صغيرةً ، فاعلم بأنك على خطرٍ عظيمٍ ، وأنك في مواجهة الشيطان ، والنفس والهوى ، وكلهم أعداءٌ لا يعرفون الرحمة ، ويسعى كل منهم لاحتلال قلبك والسيطرة عليه ، وطردك منه ، لتعيش طول العمر أسيراً لغيرك ،، لذا لاتيأس ولا تجزع ! إذا تمكنت جيوش الغفلة من قلبك ، بل تضّرع لله عز وجل ، وأظهر له ضعفك ، وابْكِ على بابه ،
وألح عليه بالدعاء ، بأن يرفع عن قلبك ما أصابه ، وكن في كل هذا محسن الظّن به سبحانه وتعالى ، وتذكر ذنوبك ، واندم عليها ، شعوراً وقولاً وفعلاً ، في كل الأحوال ، فإن إخراج المحتل يكون أصعب بكثيرٍ من دخوله ، ولذلك لاتيأس ولا تجزع ، واجمع حبال الصبر ، وتمسك بها ، وتحصن بالله ، وتعّوذ به من كل من يسعى لإبعادك عن طريقه .
ما يجب عليك أن تدركه جيداً هو : أنّ الحياة تبدأ من القلب ، فإذا غُيّب قلبك ، فلن يكون عمرك سوى رحلةً من الألم المتصل ، بعيداً عن السعادة الحقيقة ، التي أثبت الواقع عنها بأنّ القلب لا يمكن أن يحياها إلا في رحاب الطاعة ،، وقد تطرق القرآن الكريم لذكر عدة أنواعٍ للقلوب ، فمنها على سبيل المثال لاالحصر :
·   القلب السليم : وهو الـذي سلّمه الله من أمـراض الشبهات والشهوات ، وانتدبنا لنلقاه به ، فننال النجاة يوم نلقاه ، قال تعالى ( يوم لاينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ ) " سورة الشعراء آية 89 " ، ووصف به خليله إبراهيم أبا الأنبياء عليهم السلام ، فقال تعالى عن نبيه وخليله ( إذْ جاء ربهُ بقلبٍ سليمٍ ) " سورة الصافات آية 84 " .
·   القلب الميت : وهو قلب الكافر ، الذي أُشرب الكفر حتى ران عليه ، فمنع وصول الحق إليه ، قال تعالى ( وقولهم قلوبنا غلفٌ بل طبع الله عليها بكفرهم فـلا يؤمنون إلا قليلاً ) " سورة النساء آية 155 " ، ووصف تعالى قلب الكافر بالقسوة ، فقال سبحانه ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوةٍ ) " سورة البقرة آية 74 " .
·   القلب السقيم : وهـو المُثقل بـمـرض الشهوات أو الشبّهات أو بهما معاً ، قال تعالى ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرضٌ ) " سورة الأحزاب آية 32 " ، وكثرة الكلام من الأمراض التي تصيب القلب ، فتحجبه عن نور الإيمان ، وأصحاب القلوب القاسية هم أبعد الناس عن الله ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوةٌ للقلب ، وإن أبعد القلوب عن الله : القلب القاسي ) ،، وعليكَ الرجوع لكتاب الله القائل ( وننزل من القرآن ماهو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ) " سورة الإسراء آية 82 " ، قبل أن تحيق الندامة بمن أعرض عنه ،، إذْ أن القلوب القاسية لايلينها إلا الإكثار من ذكر الله تعالى ، ولا يهذبها مثل الطاعة ، والانقياد لله تعالى ، قال الله تعالى ( الذين ءامنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) " سورة الرعد آية 28 " ، ومنها ماحصره ابن القيم في كتاب " الداء والدواء ، بالسعي لإحراز السلامة من خمسة أشياء " : فقال " من شركٍ يناقض التوحيد ،
وبدعةٍ تخالف السنة ، وشهوةٍ تخالف الأمر ، وغفلةٍ تناقض الذكر ، وهوىً يناقض التجريد والإخلاص " ،، إن حرارة الإيمان تستطيع أن تنضج القلوب ، فتلينها وترققها ، فإذا غذّاها وقود العمل الصالح ، والإكثار من الذكر ، ومراقبة عدل الله وفضله ، وسلطانه المهيمن على جميع خلقه ، رقَّت القلوب وخشعت ، ومتى وصلت القلوب لهذه المرحلة ، تدفقت منها الرحمة، ومن أهم أسباب أمراض القلوب : المعصية ومخالفة أمر الله ، ونقضهم العهد والميثاق سبَّب لهم الطرد عن الله ، فابتعدوا بذلك عن مهابط رحمة الله ، فأمست قلوبهم جافةً قاسيةً ،، كما أن من أسبابها الرئيسية أيضا : الحرص على الدنيا ، وهذا هو أول الأسباب لمرض القلب ، لما فيه من ضياعٍ للوقت ، وانشغالٍ للعقل بتحصيل الدنيا ، وبالتالي يغفل العبد عـن آخرته التي مآله إليها ، ويتبع هواه ، قال الله عز وجل ( أرأيتَ من اتخذَ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً ) " سورة الفرقان آية 43 " ،، ويؤكد العلماء أيضاً ، بأنّ السبب الرئيسي في الأمراض التي تصيب العديد من القلوب ، هو الغضب ، لأنّ الغضب والتعصب للأهواء ، يضيع على صاحبه معرفة الحق ، والتثبت من الرأي الصحيح ، وكذلك حب الظهور والسيادة ، وفضول النظر والكلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت ) " رواه البخاري "، ويمكنك أخي المسلم ، وضع البرنامج التالي ، لعلاج قلبك خلال فترةٍ وجيزةٍ ، وإعادته لنور الطاعة مرةً أخرى ، ألا وهي :
·   قيام الليل : شرف المؤمن ، قيام الليل ، قال الله عز وجل ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطَمَعاً ومما رزقناهم ينفقونَ * فلا تعلم نفسٌ ماأُخْفِيَ لهم من قرة أعينٍ جزاءاً بما كانوا يعملون ) " سورة السجدة آية 16 ـ 17 " .
·   ذكر الله وتلاوة القرآن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل الذي يذكر ربه ، والذي لا يذكر ربه ، كمثل الحي والميت ) " رواه البخاري " .
·   الصيام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مامن عبدٍ يصوم يـومـاً في سبيل الله ، إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ) .
·   الدعاء : قال رسول الله صلى الله وسلم ( مامن رجلٍ يدعو بدعاءٍ إلا استجيب له ، ما لم يدعو بإثمٍ أو قطيعةِ رَحِمٍ ) .
·   حسن الخلق : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أقربكم مني مجلساً يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقاً ) .
·   بر الوالدين : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( رَغِمَ أنفه ، رغم أنفه ، رغم أنفه ، قلنا من يارسول الله ؟ خاب وخسر ، قال : من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر، فلم يدخلاه الجنة ) " رواه مسلم " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق