الجمعة، 7 يناير 2011

كن كالشمس

في عصرنا هذا تختلف المصالح ، وتتنازع الصراعات ، وأصبح الهدف هو تحقيق المصلحة الذاتية ، فانعدمت الثقة ، وانحل الترابط ، وانفك التعاون ، وأصبح كـل فـردٍ لايرى إلا نفسه ومصلحته الشخصية ، ومـاذا يـريـد ؟ وإلى أي طريـق يهدف ؟ دون النظر للفائدة الكلية ،  والنفع العام ، فأصبحت الصورة السائدة ، محاولة الحصول على الشهرة والطمع ، الذي لاحد له ، ولا ينتهي أبداً ،  وبـدأ يتسرب وينتشر في المجتمع كـالـوبـاء ؛
فأصبح الابن يقتل والديه ، والأخ يستغل أخاه ، والصديق يكيد لصديقه ، والجار يؤذي جاره ، وكأن لم يعُد في هذه الحياة إلا الفساد وصوره ، أما النعيم فللأقوى ،، وفي الجانب الآخر من المجتمع ، صورةٌ أخرى تجعلنا نطمئن ، ويهدأ بالناً ، وتستريح نفوسنا ، وهي وجود فئةٍ مؤمنةٍ ، ترى كل أنواع الفساد، وتسخر منه ، وقلوبها مطمئنةٌ بذكر الله ، مليئةٌ بالإيمان العامر ، واثقةٌ من نصر الله ، هذه الفئة المؤمنة تميل للتأمل والتعمق في حقائق الأشياء ، داعيةً الله عز وجل ، أن يعينها ، وينير بصيرتها للحقيقة ؛ فترى كل صور الفساد ، وتتأمل ، وتسأل نفسها : هل من الممكن أن ينتصر الشر على الخير ؟ هل من الممكن أن يستمر المفسدون في الأرض ينعمون ، بينما المؤمنون يتألمون ؟ هل من الممكن أن يكون النعيم من نصيب المفسدين ، أما قسمة المؤمنين فهي الآلام والجراح ؟!! وفجأة ترتسم الابتسامة على وجوه الفئة المؤمنة تقول بكل ثقةٍ : لا ، لا ، لن يطول هذا أبداً ، وسينتهي هذا الفساد ، وسيحل محله النور والأمان ، فالله عز وجل يفتن هؤلاء المفسدين في الأرض بالنجاح ، والتمتع بنعيم الحياة ، ليعذبهم ، ويمهلهم لأجـلٍ مسمىً ، يعرفون فيه بـأن وعـد الله حـق ، وأنهم ظلموا أنفسهم ، وخـسـروا الـدنـيـا والآخـرة ،، أما الفئة المؤمنة ، فسينعم الله عليهم بالسكينة والاستقرار ، جزاءً على صبرهم ، ولهم مايشاءون عند ربهم ، ويمن الله عليهم بالقرب والرضا في جنات النعيم .
·   الداء والدواء : إن هذه الفئة المؤمنة ، واثقةٌ من هذه النتيجة ، وليس عندهم أي شكٍ في ذلك ، ولكنهم يجدون أنفسهم وهم غارقون في بحار التأمل ، وأعماق البحث ، يتساءلون : مامعنى هذا الذي يحدث ؟ ولماذا وصلنا لهذه المرحلة من الفساد ؟!! ولكن بعون الله وحده وصلوا للداء ، ومنحهم الله عز وجل الدواء ،، أما داء هذا العصر فهو الافتقاد للقدوة ، وكل صور هذا الفساد تحدث ، وسيحدث أكثر من ذلك ، لأن هدفنا هـو المصلحة الشخصية ، ونفتقد للقدوة التي يجب أن نقتدي بها ،، أما الدواء فهو أن يكون المسلم قدوةً أمام الناس ومن حوله، وأن يكون الهدف هو ابتغاء وجـه الله ، لا الرياء والسمعة والشهرة ،، فيكون الأب قـدوةً في بيته ، أمام زوجته وأولاده ، وتكون الأم قدوةً لزوجها وأولادها ، ويكون الكاتب قدوةً في كتاباته ، وفي تجسيده للشخصيات التي يكتبها ، وتصويره للقيم والمباديء التي يجب التحلي بها ، ويكون الصحفي قدوةً في فهمه للأمور ، ومحاولة تصحيحه للأوضاع ، وإبراز مساويء العصر الذي نعيشه ، وكيفية عـلاج هـذه المساويء ،،، إن الكلمة أمـانـةٌ ورسالةٌ ؛ فإذا لم يستطع الكاتب أو الصحفي أن يتحملها، ويؤديها بكل شجاعةٍ، بعيداً عن أي رغباتٍ، أو أهواءٍ شخصيةٍ ؛
فلا داعي لأنْ يمسكَ القلم ويكتب ، فنحن لا نريد شعاراتٍ وكلماتٍ ، بعيدةٍ عن الواقع والمُثل العليا ، بل نريد سلوكاً وعملاً وأخلاقا تُحتذى بها ، وأن تكون الكلمة صادرةً من القلب ، وتتميز بالصدق ؛ فما خرج من القلب وصل إليه ،، وهنا ستؤثر تأثيرا فعالاً وإيجابياً على المجتمع ككل ، وكذلك الصانع والمزارع كلٌ في مجال عمله ، يجب أن يكون قدوةً لنفسه ولمن حوله ، ولا يَطلبُ الالتزامَ من غيره وهو غير ملتزمٌ ، ولا ينادي غيره بالسير في الطريق القويم وهو بعيدٌ عنه ، ولا يطلب الأمانة من غيره وهو غير أمينٍ ، ولا يدعو للصدق وقول الحق وهو كاذبٌ ، ولا يهتف بالعدل وهو ظالمٌ ، ولا يأمل في الرحمة وهو غليظ القلب ، تجردت حياته من أبسط ألوان الرحمة والشفقة ،، إن فاقد الشيء لايعطيه ؛ فليكن كل شخصٍ قدوةً أمام نفسه ، وأمام من حوله ، ويراقب الله في كـل أفعاله ، قبل النظر للغير ومحاسبة الآخـريـن ، وإعطاء الأوامـر لهم ، قال تعالى ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) " سورة البقرة آية 44 " ، ولقد منحنا الله عز وجل ، البلسم الشافي ، والدواء المعافي ، لكل أمور حياتنا ، وهو هدية الله رب العرش العظيم للعالمين ، ألا وهو القرآن الكريم ، فلنتخذه نبراساً يضيءُ لنا الطريق، وشُعاعاً ينير لنا الحياة ، ويكشف لنا عن حقيقة كل شيءٍ نبحث عنه .
·   شُمُوسٌ لا تغيبْ : لقد دعانا الله تعالى في كتابه الكريم ، للاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم ، في جميع أموره وشئون حياته ، وأن نأخذه مثلاً أعلى ، وأسوةً حسنةً نقتدي بها ، متمسكين مؤمنين بالله عز وجل ، ومقتدين بالأخلاق الكريمة التي دعانا الله عز وجل للتحلي بها ، آملين طامعين في عونه ورحمته ، راجين أن يشملنا بلمسات حنانه الكبرى ، فنأمن شر الطريق ، ونسلم من شياطين الإنس والجن ، الذين يعيثون في الأرض فساداً ، ونسير جنباً لجنبٍ مع المؤمنين الصالحين ، الذين يحبون الله ، وكل شيءٍ في هذا الوجود، لأنه صُنع الله، وأثرٌ من آثار رحمته وحنانه وحبه وعطفه الشامل، والذين يجاهدون في هذه الأرض ، لمحاربة الفساد والطغيان على الظلم ، آملين انتشار النور والأمان والاستقرار ، دون النظر لأي مصلحةٍ ذاتيةٍ ، أو رغبةٍ شخصيةٍ ، بل يعملون ويجاهدون حباً ومرضاةً الله عز وجل ، ونُصرةً لدين الله ، قال تعالى ( يآأيها الذين ءامنوا إن تنصروا اللهَ ينصركم ويثبت أقدامكم ) " سورة محمد آية 7 " ،، وقال سبحانه ( إن اللهَ يدافعُ عن الذين ءامنوا ) " سورة الحج آية 38 " ،، إن القدوة الطيبة ، شمعةٌ يملكها كل فـردٍ ، ويستطيع أن يضيئها ، فتُضاءُ حياته ، كما يستطيع أن يطفئها ؛
فتنطفئ شمس حياته ، وإني أعتقد بأنه لو حرص كل إنسانٍ على أن يؤدي واجبه بالصورة المثلى ، التي تؤهله لأنْ يكون قدوةً لغيره ، فإننا سنكون بذلك من أفضل المجتمعات، وسَيَمُنُّ الله علينا بالفتح والبركات، وليس العيب في الظروف أو الأيام ؛ فالأيام تحمل كل الخير وكل الرخاء ، ولكن العيب في أنفسنا ، فلنسارع لإصلاحها ، ونترجم هذا الإصلاح عملياً في الأخلاق والسلوك والعمل ، قال تعالى ( إن اللهَ لايغير مابقومٍ حتى يغيروا مابأنفسهم ) " سورة الرعد آية 11 " ، فنجني ثمار هذا الإصلاح ، ويعم بلادنا الرخاء والرفاهية والتقدم ، فتهدأ نفوسنا ، وتطمئن وترتقي حياتنا .

وختاماً ،، اللهم اجعلنا من المؤمنين الصالحين ، الذين يمشون على الأرض هوناً ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ، واجعلنا من الذين يتخذون من كتاب الله مثلاً أعلى يقتدون به ، ويتخذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أسوةً حسنةً ، يتأسون بها ، اللهم واهدنا لالعمل الصالح الذي ترضاه لنا ، فنكون قدوةً طيبةً لأنفسنا ولمن حولنا ، وأَنرْ بصيرتنا ، وأعِنَّا على مَن ظَلَمنا ، وارحمنا من شر أنفسنا وشر الناس ، ونجنا من همزات الشياطين ،  واصرف عنا عذاب جهنم ، واشملنا بلمسات حنانك ، وآيات رحمتك ، برحمتك يا أرحم الراحمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق