الجمعة، 7 يناير 2011

كن مستمتعاً

كن مستمعاً جيداً ، ولا تتكلم طول الوقت عندما نتحدث ، نحب أن يستمع إلينا الآخرون ، لعل هذه طبيعةً عامةً بنا جميعاً ، لأن الاستماع يشعرنا بالثقة والاحترام ، ويحسسنا

بالأهمية ،، وقد أثبت علماء النفس الاجتماعي بأن الاستماع الجيد للآخرين ، ليس بالضرورة أن ينتهيَ بالتأثير الكامل عليهم ، بل إنه يزيد من أواصر المحبة والتقارب الروحي والعاطفي بين الناس ،، كما أن من أبرز سمات العظماء وأصحاب النفوذ والتأثير في المجتمعات هي الاستماع والإصغاء إلى كلام الآخرين ، فليس كثرة الكلام دليلاً على قوة الشخصية ، ولا قوة التأثير ، بل ربما ، أو في الغالب ، ينتهي كثرة الكلام لما لا يحمد عقباه من النتائج ،، فالكلام الكثير يعرّض صاحبه للوقوع في الأخطاء الكثيرة ، والدخول في مجالاتٍ بعضها هامشيةً ، قد تضر ولا نفع ، إضافةً إلى أن الملل الناجم منه ، ربما ينزل بمستوى الحديث لمصاف الحديث العادي ، والكلمات فاقدة القيمة أو الشعارات ، التي تفتقد للمزيد من الواقعية ، وبالتالي فإن من كثر كلامه كثر خطأه .

·   استماع القادة : إن بعض المدراء والقادة يستصعبون الاستماع لأصدقائهم العاملين معهم ، تصوراً منهم بأن ذلك مضيعةً للوقت ، أو انشغالاً بأمورٍ جزئيةٍ لا تُعَدُ مهمةً، والحال أن هذا من الأخطاء الكبيرة على المدى البعيد ،، صحيحٌ أن بعض ما يقال ويثار في الكلام يعد من الهامشيات، ويأخذ من وقت المدير وأعصابه الشيء الكثير، إلا أن الكثير منها يساهم مساهمةً فعالةً في تحسين وضع العمل ، وربما يقدح في ذهن القائد أموراً تعينه على اكتشاف الكثير من الخفايا والمهام، أو توصله للأفكار الاستراتيجية على على مستوى الفكر أو التطبيق ، أو على الأقل تضع المدير في الأجواء الخاصة للعمل والعاملين أيضاً ، والتي في الغالب هو بعيد عنها ، وكلنا يعرف كم للإحاطة بالأجواء الخاصة دورٌ في الإدارة الكفوءة ، فضلاً عن الفوائد الروحية والفكرية التي يكتسبها الأفراد ، جرّاء المجالسة مع الكبار ، والمحاورة مباشرةً معهم ،، وهناك ملاحظةٌ مهمةٌ ينبغي أن لا يغفل عنها المدراء ، وهي : أن صاحب الكلام في الغالب لايخلو من ظـلـمٍ أو إحساس بالحرمان ، أو نقصٍ يود إيصاله للدائرة الأعلى ، لتنصفه في حقه ، أو يحمل اقتراحاتٍ ، أو تصوراتٍ ، يراها تساهم بشكلٍ كبيرٍ في تحسين الأداء ، أو تطوير العمل ، أو تنظيم الوضع الإداري بشكلٍ جيدٍ ،، ومن الواضح بأن الإنسان إذا أحس بحاجته للكلام، سيكون مشدوداً للبوح به ، وربما تنشحن نفسه بذلك ، وتكبر الشحنات وتتفاعل معه ، كلما تأخر إفراغها وإثارتها ، وعليه فلا بد لهذه الشحنات من تفريغٍ ، فاذا وجد الإنسان أمامه من يستمع إليه من الأفراد الذين يهمه سماعهم، أو يريد إيصال كلامه إليهم ، يكون قد شعر بأنه أدى ماعليه ، وحقق بعض غرضه ، وأما إذا وجد أمامه الباب مُوصداً ، فإن
ذلك سينعكس عليه سلباً ، وربما يصدمه نفسياً ، ويعود لما لا يحمد عقباه ، من ردود الفعل ، لأن الكلام شحنةٌ كبيرةٌ في النفس ، وطاقةٌ جبارةٌ ، لابد أن نوجد لها منافذ للتنفيس أو التنظيم ، لكي نستثمر إيجابياته ، ونحد من سلبياته ،، وينبغي ألا ننسى أبـداً بأن السيل الجارف ، يتكون من القطرات والقشة ، ربما تقصم ظـهـر البعير ،، والكثير من المشاكل العويصة ، والأزمات الخطيرة كانت في بادئ أمرها صغيرةً ، وعندما لانلتفت لاحتواءها وتحديدها ، تكبر ثم تنفجر ، وتعود على الجميع بالضرر ،، وإذا لم نستمع للآخرين بشكلٍ جيدٍ وفعالٍ ، فإن ذلك قد يزرع للمسؤولين صورةً في أذهان أصدقائهم ، تصورهـم بأنهم لا يبالون، أو أنهم يترفعون عـن مجالسة أصدقائهم والمتعاونين معهم، وما يترتب على هذا الانطباع السيئ ، من النتائج الخطيرة ، والأضرار البالغة ، على العمل والعاملين ، أوضح من أن تخفى.

·   تخفيف التوتر : هل جربت الدخول في محاورةٍ مع شخصٍ كثير الكلام ؟ إن كان الجواب بنعم ، فما هو إذاً شعورك وهو يتحدث إليك مسهباً ؟ وهل جربت محاورة أناسٍ يستمعون أكثر مما يتكلمون ؟ وما هو شعورك معهم ؟ أقـول لك : بأنه لاشك أنك تشعر أحياناً بأن الثاني قوي الشخصية، والتأثير واسع المدى، وواثق الخطى ، بينما الأول يشعرك بمزيدٍ مـن الملل والسأم ، وبالتالي لايستطيع أن يحقق أهدافه المرجوّة ، لأن الـكـلام وسيلةٌ للتعبير والتفاهم ، وخير الكلام ما قلّ ودل ، فإذا زاد الكلام عن حدّه ، ابتليَ بالتكرار ، وتوضيح الواضحات ، التي هي من مستهجنات البلاغة ، وبالعكس من ذلك الاستماع، فقد أورثت التجارب العديدة ، فضلاً عما ورد في الأخبار الشريفة ، وما أثبته علماء النفس الاجتماعي، هو أن الاستماع الجيد من أهم الأدوات الرئيسية ، للوصول لقلوب الآخرين ، والتفاهم المثمر معهم ، وخاصة في مواقع الخلاف والتوتر ، وفي الواقع لوحظ بأنها تؤدي دوراً كبيراً في التخفيف من التشنجات ، وتهدئ من الميول العدوانية ، واستعمال العنف في لحظات الانفعال ،، فعندما نستمع بانتباهٍ وهدوءٍ لمحدثينا ، محاولين فهم مايقولونه ، فإن من الصعب أن نقع أسرى الإثارات والاستفزازات ، التي يمكن أن نتعرض لها ، كما أن من الصعب في الغالب ، أن نواجههم بالعنف ، أو نمارس معهم شكلاً من أشكال السيطرة ، أو نتعصب لآرائنا فقط ، ونتصرف وكأننا وحدنا على حق ، أو نقوم بتغيير الموضوع ، أو استعمال المغالطة في طريق الحوار ،، إذاًً فالإصغاء الفعّال والمدروس يشكل صـمـامٍ ، أمانٌ يحمينا مـن الوقوع في أسارة أفـكـارنا المسبقة ،
أو انفعالاتنا الحارة ، فكيف إذا مارَسَ طرفنا الآخر الأساليب نفسها ، وقابلنا بالهدوء والثقة ، واستمع إلينا جيداً أيضاً ؟ إن في الأجواء العادية المريحة ، كمحادثة صديقٍ حميمٍ ، أو قريبٍ في شؤون الحياة ، نستمع إلى محدثينا بشكل جيدٍ وهادئٍ ، ونحس وكأننا نحتاج للمزيد من الاستماع لكلامهم، وباختصارٍ ، نسمح لهم أن يقولوا ما عندهم ، ونحاول نحن أيضاً أن نتعاطف مع مايقولون ، ونشعرهم بالاهتمام والتفاعل ، بل ونساعدهم على طرح مشاكلهم بوضوحٍ وأمانٍ ، لأننا نستمتع بكلامهم ، أو نحب أن نكسب ودّهم ، ونحافظ على علاقاتنا معهم بشكلٍ جيدٍ ووطيدٍ ،، وأما عندما تكون الأجواء متوترةً ، ومشحونةً بالانفعالات ، وهذا مايحصل في مواقف الخلاف غالباً ، فإن العديد منا ينسى إمكاناته الكبيرة، في احتواء الأزمة، فيتورط فيها ، بل وربما يزيدها اشتعالاً ، إذا لم يبد من نفسه اهتماماً للإصغاء ، وفهم ما يقوله الطرف الآخر ، وماذا يريد ؟ والسؤال الذي يُطْرَحُ هنا هو : كيف ينبغي أن نصغي لنحتفظ بثقتنا في احتواء الأزمة ، رغم التوتر المتصاعد ؟ وماذا يمكننا أن نفعل ، لنشجع الطرف الآخر - المنفعل - على التعاون، بدلاً من الصراع ، أو امتصاص مضاعفات الانفعال على الأقل ؟ وما هي الأساليب التي توفر إصغاءً فعالاً في إجراء الحوار؟ لاشك أن هناك العديد من المهارات العملية ، التي لا يكفي معرفتها ، والعلم بها في فرض السلام على التوتر ، مالم نمارسها ممارسةً ميدانيةً متواصلةً .

·         لخّص محاورتك : على الرغم من بساطة التلخيص ، إلاّ أنه يعتبر مفتاحاً مهماً من مفاتيح الإصغاء الفعّال، وإذا جربت مرةً وأنت تحاول تلخيص مايدور بينك وبين محادثك ، وسجلتَ النقاط البارزة من حديثه ، فإنك ستتوصل للفوائد الكبيرة ، التي تحصل عليها جرّاء ذلك ، سواءٌ على صعيد كسب الود والمحبة ، أو على صعيد التفاهم والاتفاق ،، ولو لخصنا الفوائد الجمّة التي نكسبها من التلخيص بشكل نقاطٍ ، فإننا سنجد كم للتلخيص من أهميةٍ في تفعيل الحوار واستثماره، فعندما نلخص مايقوله محدثنا بين الحين والآخر، فإننا نخرج بما يلي :
1-     تعطي القائم بالتلخيص المزيد من انتباهنا وتركيزنا على مؤدى كلامه ، والوصول لعمق مضامينه ومراميه ، لأن الكتابة والاستماع معاً ، يشتركان لشد الذهن لمحور الكلام ، والحؤول دون شروده ، لما يصرفه عن صلب الموضوع .

2-     توضح لقائم بالتلخيص في الوقت نفسه ، بأننا نتابع معه مجريات الحديث ، وتسلسل موضوعه ، فيشعر بالمزيد من الثقة والتركيز أيضاً ، لإشباع الموضوع بما يثري البحث ، ويمنعه من الهامشيات ، وهذا أمرٌ يعود علينا أولاً ، لأنه يسهل علينا فهم مايدور في خلد طرفنا الآخر ، وتفهم مصالحه وأغراضه ، وهو بدوره يوفر لنا قدرةً أكبر على إدارة الحوار ، بما يلبّي طموحاتنا ، ويعود على الجميع بالنفع .
3-     القائم بالتلخيص يجنّبنا الوقوع في شراك الفهم الخاطئ، لما يقوله الطرف الآخر، وبالتالي تبنى بعض الآراء والمواقف ، التي ربما تسيءُ إلينا أو إليه ، من حيث لا نحتسب .
4-     القائم بالتلخيص يجنّبنا الـوقـوع في فخ الـفـرض والسيطرة على الآخرين ، أو الظهور بمظهر من يحاول ذلك على الأقل ، لأن التلخيص يمنع في الغالب من المقاطعات ، أو الهبوب في وجه المتحدث بين الحين والآخر ، لرد كـلامٍ لـه ، أو توجيه كلامٍ إليه ، ولو لاحظنا أجواء الندوات التي يعقدها أناسٌ ، يلخصون ثم يتكلمون ، وأخرى خاليةٌ من التلخيص ، ستجد حينها ، كم للتلخيص من أهمية في إضفاء الهدوء والموضوعية ، على أجواء الحوار ، لأن الذي لايلخص ، يقع أحياناً في فخ الاهتمام بما يقوله هو ، ويشدّ مشاعره وذهنه ، لما يريد أن يعبر عنه هـو أو يلبي له مصالحه ، وينسى أو يغفل عما يريد أن يتحدث به طـرف يبتلى بتضييع الحوار بالمقاطعات المستمرة ، أو تغيير مجرى الحديث ،، انظر على سبيل المثال لاالحصر هذا الحوار التالي : الطرف الأول محادثاً الطرف الثاني  " إنه لمن دواعي سروري ، أن أجد فرصةً أحدثك فيها عن الأعمال التي أنجزتها ، خلال هذه الفترة " ،، الطرف الثاني مقاطعاً " وأخيراً عرفتُ خطأك ، وتوجهتُ لوظيفتك ، - تم تغيير الموضوع - وهو يشير لعدم الانتباه الجيد لما يقوله الطرف الأول " ،، الطرف الأول : " اسمح لي أن أكمل كلامي ، ثم تفضل بالإجابة ، إن أعمالي كانت صعبةً ، وتعرضت فيها للكثير من العناء " ، الطرف الثاني مقاطعاً " طبعاً ، لأنك متفردٌ ، وتعمل لوحدك - حُكْمٌ سريعٌ ، ونصيحةٌ ، وإثبات تفوقٍ – " ،، أخي القاريء : إنك ستجد أنه لو تَواصَلَ الحديث بهذه الشاكلة ، فسيبتعد شيئاً فشيئاًً عن أجـواء الحوار الموضوعي الهادف ، وينتهي
في آخر المطاف للعراك أو الانفصال على أحسن الفروض ،، فالحوار الهادئ بحاجةٍ لأجواءٍ وُديةٍ صافيةٍ ، يسودها الاحترام والسكينة ، فمن قام بعدما استمع إلينا، وتفهم مشاعرنا واهتمامنا ، بسد الطريق أمامنا ، وقطع علينا باب التفاهم ، فقد قطع علينا وعليه الأمل أيضاًً ، وذلك بالتواصل معه والوصول لحل أي مشكلةٍ كانت ، سواءٌ كانت لنا أو له ، وتسبب في دمار التواصل البناء ، والصلة الحميمة فيما بيننا ،، وأكثر من هذا ، حينما نواجه أطرافاً لايحبون الاستماع ، ولا يبدون لنا أي اهتمام ، حينها سنشعر بالألم ، وإذا لم نتحلى بالصبر ، وسعة الصدر ، فإنه ربما ننفعل عاطفياً،ً ونقلب جو الصداقة معهم لجوِ عِرَاكٍ وتخاصم،، تصوروا إلى أي مدىً يمكن أن يؤدي التسرّع في الكلام وعدم الإصغاء ، بالطبع لإثارة الغضب والعنـاد والاستفزاز ، بل وربما ينتهي لفقدان الأصدقاء ، فضلاً عن معاداة الخصوم .
         إذاً فالاهتمام بتلخيص حديث الآخرين بأمانةٍ وهدوءٍ ، يعطينا فرصاً كبيرةً لفهم كلامهم ، ولتحكيم التفاهم ، بدل العراك ، كما يعطينا قدرةً جيدةً على تجنب محاولات الضغط والسيطرة ، ليحل محلها التحابب والتقارب المتبادل ،، بالإضافة إلى أن عناصر التفاهم مع الطرف الآخر ، تضمن لنا تركيز الانتباه على كلامه ، والتأكد من فهم مغزى حديثه ، ومتابعة النقاط الهامة منه ، للرد أو التأييد ، وإشعاره بالصدق والثقة ، والظهور بأننا نريد فهمه ، وعدم السيطرة عليه ،، فليس من السهل تركيز الانتباه على كلام الخصم في مواقف الـخـلاف المتوتر ، لأن تشنج الأوضاع ، وتوتر الأعصاب ، قد يغرينا بمحاولة المناورة ، وإفحام الطرف الآخربالإثبات أو غيره ،، وقليلٌ منا من يفكر بإقناع الآخرين بصحة وجهة نظره ، من الزاوية المنطقية ، وواضحٌ بأن محاولات الإفحام والفرض ، تقودنا لالتركيز على أنفسنا وأفكارنا وما يهمنا ، وتساهم العصبية والانفعال مساهمةً كبيرةً لسد العين والتفكير ، عن تفهم الطرف الآخر ، وما يحسّه ويفكر به ،، لذا فالتلخيص يفيد في السيطرة على أنفسنا ، وتنظيم أفكارنا في نفس الوقت الذي يشير لحسن نوايانا ، وصدقنا في الحوار ، مما يشيد تواصلاً أفضل ، ويقيم جواً صافياً من الأمن والثقة ، ويبني جسوراً متينةً للتفاهم والارتباط بين الطرفين ، لأن التلخيص يعطي للمتحدث شعوراً بتتبعنا لتفاصيل حديثه بدقةٍ واهتمامٍ ، دون أن نحسسه بضغطٍ ، أو ثقل آراءنا الخاصة ، أو أن نـوجـه له
سلسلةً من الأسئلة والمقاطعات الشبيهة بالأحكام القاسية ،، وبالتالي فالتلخيص يتضمن الإعلان للطرف الآخر ، عن استعدادنا لتفهمه ، وجاهزيتنا للتعاون معه ، وهذا الإشعار كفيلٌ بشدّه إلينا ، ودعوةٍ صادقةٍ له ، للتقارب والتفاهم فيما بيننا ، ثم التنسيق المثمر البناء ،، ولكي ننجح في تأثيرنا أو استثمار حديثنا مع الآخرين ، نحتاج لإشاراتٍ تدل على حبنا للتواصل ، ومتابعة الحوار مع الطرف الآخر ،، وكثيراً ماحدث أننا نحس أحياناً بأننا أخطأنا في فهم محدثنا ، بل وأحياناً نحس بأننا قـد أسأنا فهم مقصده ونواياه ، وبالتالي نكون قد أسأنا تقديره واحترامه ،، ويزداد هذا الشعور في مواقف الصراع والتخاصم ، وذلك بسبب عدم الاستماع أولاً لما يقوله الطرف الآخر وماذا يريد ،، والكثير من الناس يبتلى بسوء الظن والتشكيك في نوايا الطرف الآخر ، عندما لا يقيم تواصلاً معه ، وبالتالي فإن للشيطان دوراً كبيراً في إثارة النزاعات والفتن بين الإخوة والأصدقاء ، وفي الغالب يستغل الشيطان القطيعة ، ليثير في النفوس الأضغان والتهم ، فإذا أقمنا تواصلاً معهم ، واستمعنا إليهم من قريبٍ ، نكون قد أغلقنا على الشيطان أبواب ذلك ،، إن سوء الفهم ، وسوء الظن ، يجران وراءهما كثيراً من النتائج السلبية ، التي تنعكس بشكلٍ واضحٍ على مجرى الحديث ، وعلى إمكانات حل النزاع بشكلٍ إيجابيٍ وفعّالٍ ،، واستخدام التلخيص يوفر لنا قدرة جيدة في تخفيف الشكوك ، وتصعيد الأزمة ، وذلك لأننا بالتلخيص نشعر الآخرين بأننا جادّون من أجـل التفاهم ، ونكون قد امتلكنا القدرة على التأكد من مغزى كلامهم ، والتعرف على مدى فهمنا لهم ، فإن من المهم جداً ألا نخلط في كلام الناس ، ولا نمزج مايقصدونه بما نفهمه نحن ، فكثيراً مانستنتج من كلام محدثينا استنتاجاتٍ متسرّعةٍ ، ربما لم يكونوا يقصدونها ، فيوقعنا في مطبات سوء الفهم ، أو سوء الظن ، الأمر الذي قد يعكر أجواء العلاقات ، ويمنع من التفاهم ، فإذا لخصنا كلام محدثنا ، وركزنا على أهم النقاط فيه ، فسيبقى لنا مجالٌ للاحتجاج به عليه ، كما يبقى لديه فرصة للتفسير الواضح ، الذي يمنع من سوء الفهم ، ويزيد الطين بَلةً في معظم مواقف الصراع .
إن مهارة التلخيص ، يمكن أن تكون مفتاحاً للتفاهم المتبادل ، وللتعرف على مصالح كلا الطرفين ، وبالنتيجة تساعد على قيادة المفاوضات بشكلٍ خلاّقٍ وهادفٍ ، بـدلاً من العراك والأذى المتبادل ،، وعليه فإننا نشجع على أن تجرب
هذا الأسلوب في المحاورات ، لنصقل هذه المهارة فينا ، ولنتعلم من احترام الآخرين ، والاستماع إليهم بشكلٍ أفضل ، وليسهل علينا التفاهم معهم ،، إن التلخيص وإن كان يتطلب منا المزيد من الجهد والتركيز ، وكتابة مـا يـدور في المناقشات ، إلا أنه يعطينا قدرةً كبيرةً على تحويل الصراع إلى  تفاهم، والعراك إلى تفاوض ، وبالتالي يعطينا مهارةً جيدةً على تحويل المشاحنات ، إلى محبةٍ وتعاونٍ مضافاً لما له من طاقةٍ كبيرةٍ على توثيق الكلام ، وكذلك التعمق في مقترحاته وحلوله ، وفي مواقع الخلاف الاحتجاج به لنا أو علينا ، ويكفي في هذا فوائد جمّة تغطي على ساعات الجهد والتعب ، الناجم من عملية التلخيص .
كثيراً ما يكفي أن ننظر إلى شخصين يتحدثان فيما بينهما ، لنتوصل لنوعية العلاقة التي بينهما ، هل هي علاقة رسمية أم أقرب وأكثر حميميةً ؟ وإذ لاحظنا وضعيات جسديهما ، أو حركـات أيديهما ، أو المسافة التي تفصل بينهما ، سنتعرف حينها على مستوى العلاقة بينهما ،، إذا انتبهت أخي المسلم لأسلوبك في الحديث مع طفلٍ صغيرٍ ، فإنك في الغالب تنزل لمستواه ، وتخاطبه على قدر فهمه ومداركه ، وفي الأخبار الشريفة ورد استحباب التصابي للصبي ، لماذا ؟ لأن ذلك كله عبارةٌ ثانيةٌ عن فتح نوافذ نفسه ، والدخول إلى عالمه ، لتقيم معه تواصلاً جيـداً ،، إذاً فأسلوب المحادثة ، وطريقة الجلوس ، وتقارب الوجهين ، أو تقاطع النظرات أو الهمس وغيرها ، مؤشراتُ عفويةٍ ، قد تدلنا على مدى الانسجام والتفاهم بين الناس ،، فالروح هي التي تتكلم ، ولكن اللسان مَرةً يُعَبرُ عن مشاعرها وأحاسيسها ، وأحياناً الجسد ، وكلما كانت العلاقة حميميةً أكثر ، كان خطاب الجسد أدل وأوضح ، فإذا أردنا أن تصل كلماتنا ومضامينها لمحدثينا بشكلٍ جيدٍ ولطيفٍ ، فعلينا أن نحرص على أن تكون لغة الجسد متوافقة مع مانقوله لهم ،، وإذا كنا حريصين على أن يحدثنا طرفنا الآخر عن نفسه بسهولةٍ وارتياحٍ أكبر ، فعلينا أن نحسسه بالأمن والثقة في علاقته بنا ،، وأن نفهم إيقاع وحركات جسده ، والألفاظ التي يستخدمها، ومدى سرعة حديثه أو بطئه، والرموز التي يبطن بها الكلام ، لنتفهم أحاسيسه الكامنة جيداً ، ثم العمل على فتح منافذها ، والدخول إلى عالمه ، والتحاور معه من ا لداخل ،، إن من أشد موانع التفاهم ، أن يتحدث شخصان من عالمين مختلفين ، لايسعى أحدهما لدخول عالم الآخـر ، فمثلاً عندما نتحدث إلى إنسانٍ بسيطٍ أُميٍ ، وندخل لفهمه
ومستواه ، لابد أن نتكلم معه بالأسلوب الذي يفهمه ، ويستمتع به ، وبالتالي نتمكن من أن نؤثر به ، ونوصله لطريقٍ مفتوحٍ للتفاهم ، فإذا تحدثنا إليه بألفاظٍ رنانةٍ ، أو اصطلاحاتٍ من تلك التي يستخدمها المثقفون أو الاختصاصيون ، فإن ذلك سيمنع من التواصل الجيد ، لأننا نكون قد وضعنا بيننا وبينه حواجز كبيرةً في المستويين ، وبالتالي نحول دون الوصول لنتائج مرضيةٍ، لأن طرفي الحديث، أصبحا في عالمين مختلفين تماماً ،، وفي موقفٍ آخر ، يمكننا أن نشجع محدثاً خــجـولاً على الحديث ، بعفويةٍ واسترسالٍ ، وذلك عندما ننحني بقامتنا إليه ، أو نصغي لكلامه ، مع اقـتـرابٍ قليلٍ باتجاهه ، أو نتواصل معه بصرياً ، بشكلٍ لطيفٍ وشفافٍ ،، ولعل الكثير منا خاض في تجاربٍ لدى الحديث مع أناسٍ لايركزون كثيراً في الحوار ، فإذا تحدثنا مع أشخاصٍ باهتمامٍ ، ووجدناهم يتطلعون لساعاتهم ، أو يصلحون شيئاً مـن هندامهم ، أو يتصفحون أوراقـاً ، أو يطالعون مجلةً ، أو صحيفةً ، أو يلتفتون إلى هنا وهناك ، فسسيثير هذا الأسلوب فينا من النفرة والملل ، والإحساس بالإحباط ،، ولو دخلتَ في حوارٍ مع مديرك ، أو زميلك ، وحمل الهاتف فوراً واتصل بشخصٍ آخر ، أو قطع حديثك ، وتكلم مع آخر ، حينها قد يشعرك ذلك  بأن هذا المدير أو من يحادثك ، في عالمٍ غير عالمك ،،، إن إقامة تواصلٍ مثمرٍ مع الطرف الآخر ، يكون أسهل وأقرب ، عندما ندخل لعالم الطرف الآخر، وننفذ لروحه وقلبه ، وتزداد أهمية هذه الآلية ، كـلـمـا كان موضوع الحديث صعباً ،، إذاً نستطيع أن نستمع لمحدثنا استماعاً فعالاً ، عندما ندخل بشكلٍ سريعٍ لعالمه ، وواضحٌ بأن الدخول لعالم الآخرين ، ليس له صيغةٌ ثابتةٌ ، بل ربما يكفيك الدخول لعالم محدثك ، عن طريق الجلوس معه جلسةً بسيطةً ومنفتحةً ، بل ربما تنحني إليه جسدياً ، أو تتوجه إليه بوجهك ومقادم بدنك ، أو تجلس معه في مطعمٍ أو مقهىً ، وتتكلم معه بالطريقة التي يحبها ويميل إليها ، وهكذا ،، إن تمثل عالم الطرف الآخر ، هو فَنٌ بذاته ، والفوائد المترتبة عليه أكبر مما نتصور ، فالناس أذواق ومشارب ، وحالاتهم النفسية تساهم كثيراً في نوعية قراراتهم ، وطبيعة تصرفاتهم .
إننا إذا تمكنا من أن نتعايش مع الآخرين ، حسب ميولهم النفسية ، ودخلنا عوالمهم وتكيفنا مع أجواءهم ، سنكون في الحصيلة أقدر على تفهم مايريدون ، وبالتالي أقــدَرُ على إدارة الأزمـة معهم ، إدارةً ناجحةً ومثمرةً ،،
فتمثل عالم الخصم يفيدنا لما تقدم ذكره ، في صلب موضوع الحديث ، وكذا النقاط الهامة التي تمسنا ، وتدخل في أولوياتنا ، فعندما يحس محدثنا بأننا قريبون من عالمه الخاص ، ودخلنا لقلبه ومشاعره ، فسيسهل عليه وعلينا ، أن نتعامل مع بضنا البعض ، بكل ارتياحٍ وطيب نفسٍ ، وهو يوفر لنا قدرةً أكبر ، على أن نـؤثـر فيه بمقترحاتنا وآراءنا ، لأنه لايشعر بأننا معه في حالة حـربٍ أو خصومةٍ ، أو هناك نوايا يخافنا منها ، كما لايحس بأن هناك محاولات ضغطٍ وإكراهٍ تفرض عليه من الخارج .
إن محدثينا قد لا يستطيعون في بعض الأحيان أن يتحدثوا إلينا بطلاقةٍ، خصوصاً في القضايا الهامة بالنسبة إليهم ، لذا ربما يقعون في مطبات تهميش الكلام ، أو الخروج به عن الموضوعية ، أو الامتناع عـن المواصلة ، وتتجلى هذه الأزمـة في مواقع الـخـلاف ، وقـد يعود ذلك لتوترهم النفسي ، أو خجلهم ، أو قلقهم ، وخوفهم من العواقب الوخيمة ، أو الإبهام في المستقبل ، وغموض المصير ، ونحو ذلك ،، فإذا كان هدفنا نحن أن نتوصل إلى تفاهمٍ ثم تعاونٍ معهم ، فإن بإمكاننا أن نساعدهم على التعبير عن ذلك بسهولةٍ ، وفي نفس الوقت نقود المحادثات ، بالاتجاه الذي يهمنا ويهم المفاوضات ،،، لعل أول طريق للوصول للآخرين ، هوان نبدأ نحن بالتحدث عن أنفسنا ، فيما يتعلق بموضوع البحث ، فإننا بذلك نكون قد زودنا طرفنا الآخر بما يعينه على فهمنا ومخاطبتنا ، وفي نفس الوقت نكون قد رفعنا عنه حالة القلق والخوف ولو بعض الشيء ، وذلك لما تقدم بيانه من أن أكثر المخاوف والقلق ، ينشأ من الغموض لدى  الطرف الآخر ، فإذا تحدث عن نفسه بوضوحٍ وصراحةٍ ، يكون قد أزال عن نفسه الالتباس ، وتبدأ أنت بسرد الموضوع الذي تريد التحدث به معه تدريجياً ، من حيث لا تشعره بروتين المحاورة ، وعندما تبرز له الجزء المخفي من شخصيتك بأسلوبٍ رقيقٍ ولطيفٍ ، تكون قد أشعرته بالأمن والطمأنينة ، فيتشجع بشكلٍ طبيعيٍ للحديث معك ، وبارتياحٍ وثقةٍ ، في الوقت الذي لم تكن لتحصل على هذا الاسترسال ، لولم تتعامل معه وفق الروتين وهذه الطريقة ، ولبقيتَ تتكتم وتتحفظ منه ،،، إذاً بالحديث العفوي الواضح للدخول في الحديث بأمانٍ وثقةٍ ، ولا يقل أهمية عن الأول ، وذلك إذا حددنا موضوع المحادثة بوضوحٍ ودقةٍ في بعض الأحيان ، حينها نساهم نحن في إرباك الطرف الآخر ، إذا كان مـوضـوع
حديثنا معه مبهماً ، وشديد العمومية ، ومن الواضح بأن العموميات تضيّع الغرض، وتقطع رأس الحديث وخواتيمه، فيعيش أطرافه والطريق أمامهم مبهمٌ ، لايعرفون من أين يبتدؤون ، وإلى أين ينتهون .

وأخيراً ،، يجب علينا أن نساعد محدثنا على توجيه الحديث ، وأن نعطيه رؤيةً أوضح وأعمق، وأكثر تحديداً عن موضوع المحادثات ، في نفس الوقت الذي نكون نحن قد وفرنا لأنفسنا جملةً من المعلومات الجيدة ، عن أوضاع الطرف الآخر ، التي من شأنها أن تعيننا على إدارة الحوار بالشكل الأفضل ، وتصل بن لنهاية مرضيةٍ لنا جميعاً .

ü    كن مبدعاً :
كن مُبْدِعاً خلال ( 25 دقيقة ) : هل تريد ايقاظ عقلك ، و توسيع مداركك الذهنية ، لتصبح قادراً على إبداع الافكار ؟ إن الأمر لا يحتاج سوى لـ { 25 دقيقة فقط لا غير } ،، كلما عليك ياأخي الآن أن تتنفس بهدوءٍ وببطءٍ ، و تلاحظ الشهيق والزفير ، حتى تشعر بالاسترخاء و الهدوء التام ، ثم ابدأ بالتركيز على الجزء الأيسر من مخك ، وأغلق عينك اليسرى ، واستمر على هذه الحالة دقيقةً واحدةً ، ثم انظر خلالها لأسفل ، ثم لأعلى ، ثم لليمين ، ثم للشمال ، ثم أدر عينيك باتجاه عقارب الساعة ،، كرر مافعلته بالتركيز على الجزء الأيمن من مخك ، وأغلق عينك اليمنى ، واستمر على هذه الحالة دقيقةً واحدةً فقط ، ثـم انظر خلالها لأسفل ، ثم لأعلى ، ثم للشمال ، ثم أدر عينيك باتجاه عقارب الساعة ، ثم اعكس اتجاه الساعة ، ثم استرخ ، وابق عينيك مغلقتين ، وضع راحتي يديك فوقهما ، لتسهيل الاسترخاء في هذا الوضع الذي يستمر لثلاث دقائق فقط ، وابق عينيك مغلقتين ، وركز انتباهك على الجانب الأيسر من مخك لمدة عشر ثوانٍ ، ثم تحول للجانب الأيمن ، و ابق على هذا الوضع لمدة عشر ثوانٍ ، ثم افتح عينيك للدنيا الجديدة ،، كرر هذا التمرين مرةً أخرى ، وقل لي : هل تلاحظ أي اختلافٍ في الشعور ، أو الرضا ، أو التركيز عندما تقوم بتغيير التركيز خلال نصفي المخ ؟ وهل تجد سهولةً في التركيز على أحدهما أكثر من الاخر ؟ وماذا تشعر بعد هذا التدريب الأولي ؟ وهل شعرتَ بإيقاظ عقلك ؟ وإلى أي مدى قوة هذا الإحساس ؟ حاول تأجيل إجابتك بعد إجراء التمرين الثاني .
 أما التمرين الثاني : فيعتمد على أن تبقى عينيك مغلقتين ، وتخيل إدخال المواد التالية بالتبادل على جانبي المخ { المخ الأيسر : أدخل فيه رقم " 1 " ـ والأيمن : أدخـل فيه الحرف " أ " ـ والجانب الأيسر : أدخل فيه رقم " 2 " ـ والجانب الأيمن حرف " ب " } ، وهكذا إلى أن تنتهي من إدخال رقم " 26 " في الجانب الأيسر ، و حرف " ي " في الجانب الأيمن ، وبعد ذلك انتقل لتدريبٍ جانبي المخ ، على استيعاب الصور و تخيلها ، فتخيل على جانب مخك الأيمن صورة اثنين يتزوجان ، وعلى جانب مخك الأيسر صورة محجباتٍ يسرن نحو المسجد ، واتركها حتى تتلاشى ، ثم تخيل على جانب مخك الأيمن صورة غروب الشمس، وعلى جانب مخك الأيسر صورة غابةٍ استوائيةٍ من غابات أفريقيا ، و اترك الصور حتى تتلاشى من ذهنك .
أما التمرين الثالث : فهو تخيل الأصوات ،، تخيل على الجانب الأيسر من مخك سماع صوت الأذان ، وعلى الجانب الأيمن منه سماع صوت القرآن الكريم ، ثم تخيل على الجانب الأيسر من مخك سماع صوت أمواج البحر تتلاطم ، وعلى الجانب الأيمن منه سماع صوت محركٍ ناريٍ ، ثم تخيل على الجانب الأيسر من مخك صوت طفلٍ يبكي ، وعلى الجانب الأيمن منه سماع صوت عُرسٍ وفرحٍ وزفافٍ .
أما التمرين الرابع : فتخيل أنك تشم روائح معينةٍ ، وابدأ من الجانب الأيسر للمخ ، وتخيل بأنك تشم روائح الورد ، ثم على الجانب الأيسر منه تخيل أنك تشم رائحة الياسمين ، ثم على الجانب الأيسر للمخ تخيل بأنك تشم رائحة قهوةٍ محمصةٍ ، وعلى الجانب الأيمن منه تخيل أنك تشم رائحة الغاز ،، واختتم تخيلاتك بعد فتح عينيك ، بأنك تسير في حديقةٍ مملوءةٍ بأنواع الزهور ،، أعتقد أنك فعلاً نجحتَ في إيقاظ عقلك ، وتوحيد العديد من وطائف المخ في نصفي المخ الأيمن و الأيسر ، كالكلمات والصور والأحاسيس والعواطف والمفاهيم الدينية المقدسة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق