الجمعة، 7 يناير 2011

كن متصدقاً

لقد حثنا الشرع على الصدقة ، وجعل لها آداباً وشروطاً ، يجب الأخذ بها ، وقد بينها الله في كتابه ، قال تعالى ( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لايتبعون مآأنفقوا مَناً ولا أذىً لهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ) " سورة البقرة آية 262 " ، وقال سبحانه ( من ذا الذي يُقْرضُ اللهَ قرضاً حسناً فيضاعفهُ له وله أجرٌ كريمٌ ) " سورة الحديد آية 11 " ،، وقد أمرنا النبي صلى الله وسلم بالصدقة ، وحثنا عليها ، فقال عليه الصلاة والسلام ( تصدقوا قبل أن تصدقوا ؛ تصدق رجلٌ من ديناره ، تصدق رجلٌ من درهمه ، تصدق رجـلٌ من بره ، تصدق من تمره ، من شعيره ، لا تحقرن شيئاً من الصدقة، ولو بشق تمرة ) " رواه مسلم " .
إن الصدقة هي النفقة التي يطلب بها الأجر ، وتطلق على الفرض والنفل ، والصدقة تطفئ غضب الرب ، كما يطفئ الماء النار ، فكيف لانتصدق ؟! إذا كان ما نتصدقه قرضٌ ، نقرضه للغني ، والوفي ، والمحسن ، بل كيف لا ؟! وربما توعدنا بأنه سينميها ، ويربيها لنا ، حتى تصير أضعافاً مضاعفةً ، فيالها من بشارة ،، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( على كـل مسلم صدقة ، قيل : أرأيت إن لم يجد ؟ قال : يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يعين ذا الحاجة الملهوف ، قال : قيل له : أرأيت إن لم يستطع ؟ قال : يأمر بالمعروف أو الخير قال : أرأيت إن لم يفعل ؟ قال : يمسك عن الشر فإنه له صدقة ) ، وفي الصحيحين ، عن أبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه قال ( قلت يارسول الله : أي الأعمال أفضل ؟ قال : الإيمان بالله والجهاد في سبيله قال : قلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال : أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً ، قال : قلت : فإن لم أفعل ، قال : تعين صانعاً ، أو تصنع لأخرق ، قال : قلت : يا رسول الله أرأيت إن ضَعُفْتُ عن بعض العمل ؟ قال : تكف شرك عن الناس ، فإنه صدقةٌ منك على نفسك ) .
مما سبق من الأحاديث ،، نجد أن الله أوجب الصدقة على كل مسلمٍ ، وجعلها خمسَ مراتبٍ على البدل : فالأولى : الصدقة بماله ، فإن لم يجد اكتسب المال فنفع وتصدق ، وفيه دليلُ وجوب الكسب ، فإن لم يستطع فيعين المحتاج ببدنه ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يفعل فيكف عن الشر ،، فالأوليان تقع بمال ، إما بموجودٍ أو بمكسوبٍ ، والأخريان تقع ببدنٍ ، إما بيدٍ أو بلسانٍ ،، وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقةً ، فكل تسبيحةٍ صدقة ، وكل تحميدةٍ صدقة ، وكل تهليلةٍ صدقة ، وكل تكبيرةٍ صدقة ، وأَمْرٌ بالمعروف صدقةٌ ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ) ،، ويدخل تحت بند الصدقة : الكلمة الطيبة صدقة ، وعون الرجل أخاه على الشيء صدقة ، والشربة من الماء يسقيها له صدقة ، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ، والإنفاق على الأهل وهو يحتسبها له صدقة ، وكل قرضٍ صدقة ، والمنفق على الخيل في سبيل الله صدقة ، واللقمة يضعها الزوج في فَمِ زوجته له بها صدقة ، وإطعام الأولاد له صدقة ، وإلقاء السلام على المسلم صدقة ، والتهليلة صدقة ، والتكبيرة صدقة ، والتحميدة صدقة ، والتسبيحة صدقة ، والأمر بالمعروف صدقة ، والنهي عن المنكر صدقة ، وإتيان شهوة الزوج بالحلال صدقة ، والتبسم في وجه المسلم صدقة ، وإرشاد الرجل في أرض الضلال إذا تاه وضل الطريق صدقة ، وإطعام الخادم مما يطعم المسلم نفسه صدقة ، وضيافة المسلم لأخيه المسلم فوق ثلاثة أيام صدقة ، وإعانة ذي الحاجة الملهوف صدقة ، والإمساك عن الشر صدقة ، وقول " أستغفر الله " صدقة ، وهداية الأعمى صدقة ، وإسماع الأصم والأبكم حتى يفقه صدقة ، وما يعطي الرجل امرأته صدقة ، والزرع الـذي يأكل منه الطير أو الإنسان أو الدابة له به صدقة ، وما سـرق من المسلم صـدقـة ، وما أكله السبع صدقة ، وإنظار المعسر بكل يومٍ له صدقة ، وغير ذلك من وجوه الصدقة .
فضائل وفوائد الصدقة :
·   الصدقة تمحو الخطيئة ، وتذهب نارهـا ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار ) " صحيح الترغيب " ، وعَنْ كَعبِ بْنِ عُجرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ ،  قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ( يَا كَعْبُ بْنِ عجرةَ ، إِنَّهُ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ وَلاَ دَمٌ نَبَتَا عَلَى سُحْتٍ ، فالنَّارُ أَوْلى بِهِ ، يَا كَعْبُ بن عَجرةَ : النَّاسُ غَادِيَانِ ، فَغَادٍ في فَكَاكِ نَفْسِهِ فَمُعْتِقُهَا ، وَغَادٍ فَمُوثِقُهَا ، يَا كَعْبُ بن عجرةَ ، الصَّلاةُ قُرْبَانٌ ، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِيءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يَذْهَبُ الْجَلِيدُ عَلى الصَّفَا ) " أخرجه ابن حبان في صحيحه " .
·   يظل المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة إلى أن يُقْضَى بين الناس ، فعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال ، سمعت رسول الله يقول ( كل امرىءٍ في ظل صدقته، حتى يقضى بين الناس ، قال يزيد : فكان أبو مرثدٍ لايخطئه يومٌ ، إلا تصدق فيه بشيءٍ ، ولو كعكةً أو بصلةً ) ، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظـلـه يوم لاظـل إلا ظله ، الرجل الذي يتصدق بصدقةٍ فيخفيها عن شماله ، قال صلى الله عليه وسلم ( ورجلٌ تـصـدق بصدقةٍ فأخفاها ، حتى لاتعلم شماله ، ما تنفق يمينه ) " متفقٌ عليه " ،
·   إن في الصدقة دواءٌ للأمراض البدنية ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم ( داووا مرضاكم بالصدقة ) ،، يقول ابن شقيق " سمعتُ بن المبارك ، وسأله رجلٌ عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين ، وقد عالجها بأنواعٍ شتى من العلاجات ، وسأل الأطباء فلم ينتفع به ، فقال : اذهب ، فاحفر بئراً في مكان حاجةٍ للماء ، واللهَ أرجو أن ينبع هناك عينٌ ، ويمسك عنك الدم ، ففعل الرجل فبرأ من مرضه " ، " صحيح الترغيب " .
·   إن في الصدقة دواءٌ للأمراض القلبية ، قال صلى الله عليه وسلم ، لمن شكى إليه قـسـوة قلبه ( إذا أردتَ تليين قلبك ، فـأطـعـم المسكين ، وامسح على رأس اليتيم ) " رواه أحمد " .
·   الصدقة تطفئ غضب الله سبحانه وتعالى ، قال صلى الله عليه وسلم ( إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى ) " صحيح الترغيب " .
·   إن صـاحـب الصدقة ، يبارك لـه في ماله ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( مانقصت صدقةٌ من مالٍ ) " صحيح مسلم " .
·   يدفع الله بالصدقة أنـواعـاً مـن البلاء ، كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل { وآمركم بالصدقة ، فإن مثل ذلك ، رجلٌ أسره العدو ، فأوثَقُوا يده إلى عنقه ، وقدموه ليضربوا عنقه ، فقال : أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير ، ففدى نفسه منهم } " صحيح الجامع " ،، فالصدقة لـهـا تأثيرٌ عجيبٌ في دفـع أنـواع البلاء ، ولو كانت من فاجرٍٍ ، أو ظالمٍ ، بـل ولو كانت من كـافـرٍ ، فالله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء ، وهذا أمرٌ معلومٌ عند الناس ، خاصتهم وعامتهم ، وأهل الأرض مقرون به ، لأنهم قد جربوه .
·   أن النبَّي صلى الله عليه وسلم ، جعل الغنى مع الإنفاق ، بمنزلة القرآن مع القيام به ، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ( لاحسد إلا في اثنين : رجلٌ آتاه الله القرآن ، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجلٌ آتـاه الله مـالاً ، فهو ينفقه آنـاء الليل وآنـاء النهار ) ،، فكيف إذا وفق الله عبده ، للجمع بين ذلك كله ؟ نسأل الله الكريم من فضله .
·   مضاعفة الله للمتصدق أجره ، قال عز وجل ( إن المتصدقين والمتصدقات وأقرضوا الله قرضاً حَسناً يُضاعَفُ لهم ولهم أجرٌ كريمٌ ) " سورة الحديد آية 18 " ، وقال سبحانه ( من ذا الذي يُقرِضُ اللهَ قرضاً حسناً فيضاعفَهُ له أضعافاً كثيرةً واللهُ يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) " سورة البقرة آية 245 " .
·   لايبقى لصاحب المال من ماله ، إلا ما تصدق به ، قال تعالى ( وما تنفقوا من خيرٍ فلأنفسكم ) " سورة البقرة آية 272 " ، ( ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ، عن الشاة التي ذبحوها ، مابقي منها ، قالت : مابقى منها إلا كتفها ، قال : بقي كلها غير كتفها ) " صحيح مسلم " .
·   إن المنفق إذا كان من العلماء ، فهو بأفضل المنازل عند الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنَّما الدنيا لأربعة نفر ، وذكر منهم : عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماً ، فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً ، فهذا بأفضل المنازل ) .
·   إن المنفق يدعو له الملك كل يومٍ ، بخلاف الممسك ، قال صلى الله عليه وسلم ( مامن يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خَلَفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تَلَفاً ) " في الصحيحين " .
·   إنفاق العبد مما يحب ، يصل به لحقيقة البر بالصدقة  ، قال تعالى ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) " سورة آل عمران آية 92 " .
·   الصدقة وقايةٌ من النار، قال صلى الله عليه وسلم ( فاتقوا النار، ولو بشق تمرة ) .
·   إن في الصدقة انشراحُ الصدر ، وراحة القلب وطمأنينته ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ، ضرب مثل البخيل والمنفق ،  كمثل رجلين ، عليهما جبتان من حديدٍ ، من ثدييهما إلى تراقيهما ، فـأمـا المنفق فـلا ينفق إلا اتسعت أو فـرت على جلده ، حتى يخفى أثره ، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً ،ً إلا لزقت كل حلقة مكانها ، فهو يوسعها ولا تتسع ، فالمتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه ، وانفسح بها صدره ، فهو بمنزلة اتساع تلك الجبة عليه ،  فكلمَّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح ، وقوي فرحه ، وعظم سروره ، ولو لم يكن في الصَّدقة إلا هذه الفائدة وحدها ، لكان العبدُ حقيقياً بالاستكثار منها ، والمبادرة إليها ، لذا قال تعالى ( ومن يُوقَ شُح نفسه فأولئك هم المفلحون ) " سورة الحشر آية 9 " .
·   صاحب الصدقة يُدْعَى من بابٍ خاصٍ من أبواب الجنة ، يقال له " باب الصدقة " ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من أنفق زوجين في سبيل الله ، نُودِيَ في الجنة ياعبد الله ، هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة ، دُعِيَ من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد ، دُعِيَ من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة ، دُعِيَ من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام ، دُعِيَ من باب الريان ،، قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله : ماعلى من دُعِيَ من تلك الأبواب من ضرورةٍ ، فهل يُدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها ؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم ) " الصحيحين " .
·   إن اجتماع الصدقة مع الصيام ، واتباع الجنازة ، وعيادة المريض ، في يومٍ واحدٍ ، توجب لصاحبها الجنة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكرٍ : أنا ، قال فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكرٍ : أنا ، قال : فمن عاد منكم اليوم مريضاً ؟ قال أبو بكرٍ : أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مااجتمعت في امرىءٍ إلا دخل الجنة ) " رواه مسلم " .
·   إن الصدقة مطهرةٌ للمال ، إذْ تخلصه من الدَّخن ، الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف ، والكذب ، والغفلة ، وقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم ،  يوصي التَّجار بقوله ( يامعشر التجار، إنَّ هــذا البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة ) " رواه أحمد والنسائي وابن ماجة ، صحيح الجامع " .
·   إن إخراج الصدقة لمستحقيها من قبل العبد ، دليلٌ على صدقه وإيمانه ، قال صلى الله عليه وسلم ( والصدقة برهانٌ ) " رواه مسلم " .

صدقة المرأة عن بيتها :
قال تعالى ( يآأيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتيَ يومٌ لابيعٌ فيه ولا خُلةٌ ولا شفاعةٌ ) " سورة البقرة آية 254 " ، وقال جل شأنه ( والمصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم ) " سورة الحديد آية 18 " ،، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدةٍ ، كان لها أجرها بما أنفقت , ولزوجها أجره بما كسب , وللخازن مثل ذلك , لا ينقص بعضهم من أجر بعضٍ شيئاً) " متفقٌ عليه " ، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال ( قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتنة ؟ قال : قلت أنا أحفظه كما قال ، قال : إنك عليه لجريءٌ ، فكيف ؟ قال : قلتُ : فتنة الرجل في أهله وولده وجاره ، تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف ) ، قال سليمان قد كان يقول ( الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) " رواه البخاري " ، وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى يوم الفطر ركعتين ، لم يصل قبلها ولا بعدها ، ثم أتى النساء ومعه بلال ، فأمرهن بالصدقة ، فجعلهن يلقين ، تلقي المرأة خرصها وسخابها ) " رواه البخاري " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق