الجمعة، 7 يناير 2011

كن مع الله في الرخاء يكن معك في الشدة

هذه إحدى وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه ، حيث عـن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال ( أوصـانـى خليلي صلى الله عليه وسلم ، بخصالٍ من الخير : أوصانى بألا أنظر إلى من هو فوقي ، وأن أنظر إلى من هو دوني . وأوصانى بحب المساكين ، والدنو منهم ، وأوصاني أن أصل رحمي وإن أدبرت ، وأوصانى ألا أخـاف فى الله
لومة لائمٍ ، وأوصانى أن أقول الحق وإن كان مُراً ، وأوصاني أن أكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنها كنزٌ من كنوز الجنة ) " رواه الطبراني وابن حبان والإمام أحمد " ،، أي لاننظر لمن هو أكثر منّا غنىً وصحةً وعافيةً ، بل ننظر لمن هو أقل منا فى ذلك ، وأن نجالس المساكين ، ونقترب منهم ، وأن نَصِلَ الرحم ، وإن قطعت مودتها وجَفَتْ ، وألا يردنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجهاد أعداء الله ، رادّ ولا لومة لائمٍ ، بل نقول الحق وإن كان شديداً ، وثقيلا على النفوس ، والإكثار من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله " .
إن من الخير للإنسان المؤمن ، أن ينظر لمن تحته ، أي من دونه مالاً ، ولا ينظر لمن فوقه مالاً ، حتى لايحتقر نعمة الله عليه ، ويكون راضياً بما أعطاه الله إياه ، سواءٌ كان العطاء قليلاً أو كثيراً ، لأنه بهذا سيكون راضياً وشاكراً فى نفس الوقت ، وسيصبح من المستعينين بالله عز وجل ، الذي لابد أن يغنيهم الله عن كل شيءٍ ، وذلك بالاستغناء عن سؤال الناس ، تنفيذاً لأمره تعالى القائل ( فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) " سورة الملك آية 15 " ، وهذا أفضل من أن يسأل الناس ، أعْطَوْهُ أم منعوهُ ،، فعن أبي عبد الله الزبير بن العوام رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لأن يأخذ أحدكم حبله ، ثم يأتي الجبل ، فيأتي بحزمة حطبٍ على ظهره ، فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه ، خيرٌ له من أن يسأل الناس ، أعطوه أم منعوه ) " رواه البخاري " ،، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لأنْ يحتطبَ أحدكم حِزمةً على ظهره ، خيرٌ له من أن يسأل أحداً ، فيعطيهُ أو يمنعهُ ) ، وهذا ما يريده النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يكون المؤمن متعففاً عن المسألة ، ولو كان مسكيناً ، كما يشير لهذا قول الله تعالى ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً ) " سورة البقرة آية 273 " ، وكما يشير لهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ليس المسكين الذي يطوف على الناس ، ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، ولكن المسكين الذي لايجد غنىً يُغْنِيهِ ، ولا يفطن له ، فيتصدق عليه ، ولا يقوم فيسائل الناس ) " رواه البخاري " ، وذكر الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو على المنبر ، الصدقة والتعفف ، فقال صلى الله عليه وسلم ( اليد العليا ، خيرٌ من اليد السفلى ، واليد العليا هى المنفقة ، واليد السفلى هى السائلة ) ،، وبخصوص حب المساكين والدنو منهم ، وأن يكون الإنسان متواضعاً ، وبعيداً عن الكبر ،، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمنين في توادهمْ وتراحمهمْ وتعاطفهمْ ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عُضوٌ، تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) " رواه مسلم " ، فالإسلام أذاب لدى المسلمين الفوارق، فقد قال عليه الصلاة والسلام ( لافضل لعربيٍ على أعجميٍ، إلا بالتقوى ) ،
وقال صلى الله عليه وسلم ( الناس سواسيةٌ كأسنان المشط ) ،، وفي العلاقات العائلية قال الله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ) " سورة آل عمران آية 103 " ، أي اعتصموا بدين الله ، وائتلفوا واجتمعوا على طاعته ، واذكروا فضل الله ونعمته عليكم ، حين كنتم أعداءً فى جاهليتكم ، يقتل بعضكم بعضاً ، فألّف الله بين قلوبكم بالإسلام ، فأصبحتم بالإسلام إخواناً متصادقين ، لاضغائن ولا تحاسد ،، ولتعود الأسرة الإسلامية لقوتها وصلابتها ،، لابد أن يكون هناك تواصلٌ وتراحمٌ بين جميع أفرادها ، على المستوى العام والخاص ،، فصلة الرحم ، قيمةٌ أخلاقيةٌ أساسيةٌ ، مهما حصل من خلافٍ ، كما يجب على المؤمن ألا يخاف في الله لومة لائمٍ ، أي أن يكون شجاعاً لا جباناً ، وألا يخاف المسلمون إلا من الله سبخانه ، ولا ينحنون إلا لله تعالى ، قال تعالى ( قـل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا ) " سورة التوبة آية 51 " ، وقال تعالى ( يابني أقمِ الصلاةَ وأمرْ بالمعروفِ وانهَ عن المنكرِ واصبرْ على مآأصابك إن ذلك من عزم الأمور ) " سورة لقمان آية 17 " ، وعن أبي العباس ، عبد الله بن عـبـاس رضي الله عنهما قال ،  كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال ( ياغلام ، إني أعلمك كلماتٍ : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألتَ فاسأل الله ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله ، واعلم بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ ، لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك ، رُفِعَتِ الأقلام وجفت الصحف ) " رواه الترمذى ، وقال حديثٌ حسنٌ صحيحٌ " ، وفي روايةٍ لغـيـر الترمذي ( احفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إلى الله في الرخاء ، يعرفك في الشدة ، واعلم بأن ماأخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً ) ، وفيما يتعلق بـقـول الحق ، ولـو كــان مُـراً ، يقول الله تعالى ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ) " سورة التوبة آية 13 " ، وقوله عز وجل ( فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ) " سورة المائدة آية 44 " ، وقال سبحانه وتعالى ( يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذْ يبيّتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً )  " سورة النساء آية 108 " ،، أما فى موضع الإكثار من قول " لاحول ولا قوة إلا بالله " ، فقد جاء مالك الأشجعى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : أُسِرَ بن عوفٍ ، فقال : أرسِلْ إليه أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم يـأمـرك أن تكثر من قـول " لاحول ولا قوة إلا بالله " ، فأتاه المرسال وأخبره ، فأكب عوفٌ يقول " لاحول ولا قوة إلا بالله " ، وكانوا قد شدوه بالقد " السيّر القد من جلد " ، فسقط القد عنه ، فـخـرج فإذا هو
بناقةٍ لهم ، فركبها، فأقبل فإذا هو بسرح " ماشيتهم " القوم، فصاح بهم ، فأتبع آخرها بأولها ، فلم يفاجأ أبويه ، إلا وهو ينادى بالباب ، فقال أبوه : عوفٌ ورب الكعبة ، فقالت أمه : فإذا عوفٌ قد ملأ الفناء إِبْلاً ، فقص على أبيه أمره ، وأمر الإبل ، فأتى أبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بخبرِ عـوفٍ ، وخبر الإبل ، فقال لـه رسـول الله صلى الله عليه وسلم " اصنع بها ما أحببت ، كما كنتَ صانعاً بإبلك " ، فنزل قول الله تعالى ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويـرزقـه مـن حيث لايحتسب ومـن يتوكل على الله فهو حسبه ) " سورة الطلاق آية 2ـ 3 " ،، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليلة أُسْرِيَ به ، مرّ على إبراهيم عليه السلام ، فقال " من معك يا جبريل ؟ " قال " هذا محمد " ، فقال له إبراهيم عليه السلام " يا محمد مر أمتك يكثروا من غراس الجنة ، فإن تربتها طيبةٌ ، وأرضها واسعةٌ ، قال " وما غراس الجنة ؟ " قال " لاحول ولا قوة إلا بالله " ) " رواه أحمد وغيره " ،،، فلتكن هذه الوصايا خير توجيهٍ قويمٍ إلى أهم أسباب الحياة السعيدة ، التي من شأنها أن تجعل صاحبها مرفوع الهامة ، موفور الكرامة بين أقرانه ، عزيزاً عند الناس ، رضي الله عنه بطاعته وعمله الصالح ، وأداء واجبه أحسن أداءٍ ، قال تعالى ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهمْ وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقْتَلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوْفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكمُ الـذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )  " سورة التوبة آية 111 " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق